ما قيل عنه

في ذكراه

في جائزته

الدراسات والبحوث

الرثاء

[الدراسات والبحوث]

الدراسات والبحوث من خلال شعره وما قيل فيه من الشعر

الشاعر الأمير خالد السديري  , كما عرفته

بقلم : راشد الحمدان

تكرم الأمير فهد بن خالد السديري منذ شهور بدعوتي لحضور الاحتفال الذي أقامه في نجران .. لتوزيع جائزة الأمير خالد السديري .. ولم استطيع الحضور آنذاك ورأيت أني قد قصرت في حق المرحوم الأمير خالد السديري خصوصاً وأنه كان يعتبرني أحد أبنائه .. عندما كنت أحضر معظم جلساته في قصره بالطائف , وكنت ألازمه في نقاشاته الأدبية . وكنت أجد منه الاحترام والعطف .. وكان رحمه الله يحب أحد رفاقه في الدرب الطويل .. وهو الشاعر محمد بن برجس حباً كبيراً .. ولأن لإبن برجس رأيا في المتنبي يغاير أراء الآخرين , فكان الأمير خالد رحمه الله يأمرني بالقراءة .. في ديوان المتنبي ..   لاغاضة ابن برجس مداعبه وملاطفة .كان ابن برجس رجلا محبوبا من الجميع .. وكان يحب الجميع , وهو شاعر من الشعراء الشعبيين المبرزين , وقد رثى الأمير خالد السديري بأبيات قبل موته بسنين .. وما ذاك إلا لان الأمير خالد رحمه الله قد بهر الناس من حوله بحسن تعامله .. وقدرته على التعامل  مع الظروف الطارئة في مجال عمله كرجل أنيطت به مهمات صعاب . ويمتاز أيضا الأمير خالد السديري بفطنة فائقة في قراءة الرجال .. وكيفية التعامل معهم .. لذا . رثاه الشاعر الكبير ابن برجس بأبيات عاش بعدها الأمير خالد السديري سنين طويلة حيث كان أميراً لتبوك , قال ابن برجس :

بــدرا بدا ياويــل قــومــه ليــا غــــاب                         ومــواقفــه يــا ويــلــها مــن غيـــابه

وهذا البيت الفذ من قصيدة طويلة كتبها ابن برجس للأمير خالد السديري عندما كان أميراً لتبوك .. وفيها وصف صادق لطباع وعادات المرحوم خالد السديري .. ومنها :

يوم انقطــع حبــل المواصـل والأسباب                        وضاق الفضــا مـديت حبــــل الرجا به

ظنيت فيــه وصــادق الظــن مـا خــاب                        عــوايــده يــطلــع .. ورى مــن هقا به

ليا مــن عفـن الخــال عن مانوى هاب                        وكثــرت معــاذيــــره , وبان الردا به

ينهـض ليــا لحــق المقاضب بالارقاب                       ابــرم وحــل .. وحــاضره .. ما درى به

ما هــوب عكس الرأي ينعت له الباب                        مـحنـــك يـفـــــك لــــه القـــــرح بــابه

وان جــا نهــار يكلــحــن فيـه الانياب                        يــرمـــي عشـــى زرق الغلـب والذيابه

فيـــه النـــدى والحلــم والــرأي واداب                        خــيل المــريب اللـــــــي يشب المرا به

وفي هذه القصيدة يلاحظ صدق التعبير ومطابقة الأوصاف لمن قيلت فيه .. هذا لمن عرفه عن كثب وعاش معه أياما طويلة .. ولم يعرف عن خالد السديري على عظم ثقة الملوك فيه أنه عاش عيشة الراحة والهناء والدعة .. بل كان سيفا مصلطا يجوب أطراف الدولة من وقت لأخر منذ نعومة أظافره حتى توفي رحمه الله وهو أمير على نجران .. وكما ينطبق عليه هذا .. فهو ينطبق على أخيه محمد أبو زيد الأمير الفارس الشجاع الذي يوحي إليك عندما تشاهده انك أمام واحد من الفرسان الأوائل , ومن المؤسف انه رغم ما بين الأخوين خالد ومحمد من مودة بالغة وألف كبير نادر فقد توفى الاثنان ولم يعلم احدهما عن وفاة الأخر .. فقد توفى خالد بالمستشفى في أمريكا .. بينما  كان محمد قد أصيب بعده وظل في الإنعاش حتى مات ومن قبلها بأيام كان أخوهما الكبير تركي قد لقي ربه . وبعده سليمان فقد فقُد من آل السديري في غضون ثلاثة شهور أربعة رجال من خيرة الرجال .

عود على بدء

كنت أرغب في استعراض قصيدة ابن برجس لصدق تعبيرها , ولأنها جاءت من رجل عايش الأمير خالد سنين طويلة , وخاض معه بعض حروبه , وعرفه عن كثب في الشدة واللين , وفي السراء والضراء .. ولان ذلك يأخذ مساحة كبيرة من هذا البحث .. فقد أثرت ذكر الأبيات السابقة التي بينت تأثر ابن برجس بصفات وطباع المرحوم خالد السديري , لكن لا مانع من إيراد بعض من بقيتها لصدقها , ولواقعيتها , حيث يقول :

مـن للمحــافـــل والتبـــرع والأقـــراب                        ومــن للعــزيز اللــي زمــانــه كبــا به

ســواه لــو تفعــل بــه المــدح مـا ثاب                        والفعـــل يشــهد , مــا مع الفعل جابه

ســل وامتحــن بين الحضارة والأعراب                       ياجــاهـله يكفيــك فـــرط الــذكـــا به

صبــح بــدا بالشــرق مـا دونـه حجاب                       يشــق جلبــاب الــدجــى مــع سحــابه

وما دمنا قد استعرضنا قصيدة ابن برجس هذه والتي جاء فيه بيت يوحي بالرثا .. فلا مانع هنا من استعراض بعض القصائد التي جاءت رثاء في الفقيد المرحوم خالد السديري .. ولعل أبرز الشعراء الذين رثوه بالفصحى محمد حسن فقي .. وهو شاعر غني عن التعريف , يقول :

لقــد كــان مـــا بين الرجـــال كــمعلم                        يضــئ فيــهدي السـائرين على الدرب

وقــالــوا : مضـى عنا فقلنا لقد مضى                        بــه جــانـب فــذ مــن الســـلم والـحرب

اذا مــا استــوى بين الــرجــال رأيتــه                        اخا ثروة في الفكر تفني . وفي القلب

وبعــض الــمنـــايـــا يــستبــد بـأمـــه                       فــيســـلمـــها بعــد الوقيــعـة للكـــرب

وهذه المرثية تلوي القلم مرة أخرى للعودة لابن برجس تأكيدا لصدق ما قال عن رفيق دربه .. وان كان ابن برجس عفا الله عنه قد أتى بما يخل بالقصيدة لكنه الشعر .. فعفا الله عنه .. يقول ابن برجس في قصيدته :

يـفعــل ولا ينقـــال بالـفعـــل نـصــاب                        وان رام لـــه درب عــسيـــر مـضــى به

تقــــول عنـــده  غيــب الايــام بحساب                       يفــهـــم تصـــاريف الــدهـــر وانـقلابه

ويقول الفقي :

لــقد كــان مــا بيــن الرجــــال كمعلم                        يضــئ فيـهدي السائرين علــى الدرب

ولولا صدق الطباع في المرحوم خالد السديري , ما أتفق شاعران لا يعرف أحدهما الأخر ويعبران بنهج مختلف عن طباعه وأخلاقه .. ولكنها البلاغة المطابقة للواقع .

سلطانة السديري :

أديبة وشاعرة .. وكاتبة .. تقرأ لها معظم الأيام , وهي بنت عبد العزيز السديري رحمه الله .. والد الشيخ عبد الله سفير خادم الحرمين الشريفين في البحرين , ولعل الأمير عبد العزيز السديري أول من مات من السداري الأعلام .. وقد رثت عمها بقصيدة رائعة , وتعتبر قصيدة سلطانة تاريخا وثائقيا لوفاة أربعة من السداري في شهور قليلة .. وهم تركي ثم سليمان ثم خالد .. وظل محمد مريضا في الإنعاش حتى لحق بهم رحمهم الله رحمة الأبرار .. وقد أشارت في قصيدتها هذه إلى والدها أيضا حيث كان قبل الجميع , وكل هؤلاء من الرجال الأفذاذ الذين خدموا هذا الدولة بصدق وأمانة وكانوا سيوفا في الحدود لا تدخل أغمادها .. وقد بقي منهم كما أذكر عبد الرحمن وهو مريض شفاه الله ومساعد , الذي فقد ابنه احمد منذ شهور .. وابنه احمد هذا من أشهر الطيارين في بلادنا وقد شارك في حروب الوديعة ..  وله مواقف في هذه المعركة آثر مآثر الفروع بالجذور وكان عمه خالد وأبن عمه مساعد الخالد يحاربون في الأرض وهو يحارب في الجو , فانظر إلى صدق الولاء وأمانة التضحية من هذه الأسرة الكريمة .      

تقول سلطانة :

غــديت مثــل اللـــي ضــرير وهو بنور                        أعمــى بصيـــره صـــار يـلـــزم قياده

علــم لفـــى بالصبـــح كــدر لنا سرور                       علـــم لفـــــى رود هـمومــــي زيـــاده

يا ابـو الفهــد بالخيــر بالخيــر مذكور                       عســــى الفـهــد يسلــم ويلقى السعاده

ثم تقول :

قبــلك مضــى عــم حبيــب ولـــــه دور                        تــركــي لكــل العــاــيلــه لــــه عماده

وعقبــه سليــمان وعقــب لنــا كـــدور                        ايــام مـــرت عــــافــت النـفـــس زاده

وابــوي قبــلك صـــار بالخيــر مذكور                       عســـاه يــلقــاكــــم ويبـــرد فــــواده

ثم صورت احساسها تجاه عمها محمد الذي كان أنذاك يرقد في الانعاش .. تقول :

أبــو زيد قلبــي صــار مقهــور مقهور                       وليــلــي مضـــى وباقــي لــي سهاده

والخــاطر اللــي بك عـزيــز غدا كسور                       ودمعــي تنـاثــر خــايفــه مــن بعـاده

طــال المرض واليـوم منه عندي شهور                       وعســى الســلامــه يـا إلهـــي مـهاده

وهذه القصيدة كما قلت تعتبر وثيقة تاريخية لوفاة جيل فذ من آل السديري رحمهم الله جميعا .

مرثية الحازمي :

من أروع ما قيل بالفصحى في رثاء الأمير خالد السديري , وتكاد تتلاقى مع العديد من القصائد فصحى وشعبية تتلاقى في النسق , وكل ذلك يدل كما قلت سابقا على صدق أوصاف الأمير خالد السديري الخلقية يقول الحازمي في إبداع متناه :

هــو الطـــود العظيـــم وهــدَّ رضــــوى                       واوشـكــت الشـــــوامــــخ ان تـــزولا

بكـــى نجـــران وانتــــحبــت عـسيـــر                       وقــد عــزى شبــابُــهــم الـكــهــــــولا

وفــي جــــازان أشجـــان وذكـــــرى                       عـليــه يـكـفـكـف الــدمـــع الهـــــطولا

وفــــي الظهـــــران بلبــــة وبــلـــــوى                       وأرض تـبــــوك منــها الصبـــر عـــيلا

ومـــن أهـــل الــريــاض عـــلا ضجيج                       ومـــن يــرثـــي الــفقيـــد أجــــاد قيلا

وفــــي صنعـــا المـــآتـــم قــد أقيمت                       يــعــزى الحــاكــمــــون ومــن اديـــلا

وكـــم بكـــت الفضــــائل وهـي ثكلى                        ورجـعــت الـمنـــاحــــة والــعـــويـــلا

فقيـــد الـعــــز اصيـــــــد اريــحيـــــــا                       عظيــمــا مـــن بنــاة المــجـــد غــــيلا

سيبــقــى ( خـــالـــدا) فــي كل عصر                        وان يـــزمـــع عـــن الــدنيـــا الــرحيلا

ثم يصف شجاعته فيقول :

وينــدبـــه الســـلاح لـــيــــوم زحـــــف                       وجـــــرد الخيــــل تـنـدبـــه صـــــــهيلا

ويبين وظيفته طيلة عمره فيقول :

حســـام الحـــاكــمين لســـد ثــغــــــر                       عليـــهــم عـــز ان يــجـــــدوا البـــديـلا

اذا الأحـــــــــــداث جنـــت أو تــجنـــت                       نـهضـــت لتـــدفـــع الـحـــدث الجـلـيلا

ولقنـــت الـطـغــــــــــــــاة دروس ردع                       وذدت عــن الحمــــى الطمــــع الدخيلا

وادركــــت الفــلــــول وقــــد تـولـــــت                       فــلـــم تســـرف واعفيــــت الـفــلــــولا

ثم يبين حكمته , واتقاد فكره , وسماحته فيقول :

وإن وردت يــراعـــك مشــــكــــــــلات                        تــصــدرهــا وكــم تـشفــــي الغـلـيلا

تقيـــم القســـط عـــن حكمـــت يــومــا                       فــلا يــخشــى الخـصـيـــم بـأن تمــيلا

ثم يصف كرمه ومروءته فيقول :

ينــال الضيـــف جـــــم قـــراك حتــــى                        يـكـــاد الضيــف ان يـنســــى الرحيلا

وكــــم لك بالـــدجـــى صـــدقات ســر                       وكـــــم تـعـــدو بــمسـغبـــة بــــــذولا

تــرى فــي المـــال للمحـــروم حقـــــا                       وذي القـــربـــــى وكنــت لــهم وصولا

وصلته رحمه الله معروفة وبره بمن عاشره لا يوصف و وسماحته وتواضعه أكسباه حبا يفوق كل حب , ولا أنسى عندما اصبت في حادثة وكسر ( حنكي ) فلم استطع الكلام ولا الأكل .. فكان رحمه الله يأتيني في ( عزبتي ) التي أسكنها في الطائف وأنا أدرس في دار التوحيد , كان يأتيني ومعه أبنه عبد العزيز بالحليب .. ويجلس عندي ويسقيني , كان أباً وصديقا , ومحبا , كان أنسانا وكفى , وله موقف آخر معي عندما سقطت وأصيبت ساقي أتى اليَّ مسرعا وكان يرقبني عندما سقطت وأمسك بساقي وهو يقول .. لا حول ولا قوة إلا بالله , حسبي الله .. كان في السلم قلبا ينزف حبا , وفي الحرب شهابا يحرق الأعداء , رحمه الله رحمة الأبرار. وننتهي من قصيدة الحازمي الجيدة إلى قصيدة أخرى لا تقل إبداعا عن الاخريات .. وإن كان صاحبها قد استعصى عليه الشعر وكثيرا ما يستعصي الشعر على أصحابه عندما يكون الخطب مهولاً . فوق طاقة مشاعر الإنسان . وهذه القصيدة للشيخ المرحوم عبد الله بن حميد وهو والد الأديب الاخ محمد الحميد رئيس نادي أبها الأدبي , يقول ابن حميد رحمه الله :

قــل للــذي يبتــغـــي عيشـــــا بلا نكد                      هيــهــات قــد خلـــق الانسان في كبد

بينــا تــرى المرء في خفض وفي دعة                       اذا بــه مــن شبـــاك المــوت فـي صفد

ومــن تأمـــل فـــي الدنيــا وزخرفـها                        لــم يـلهـــه مـا يـرى مـن عيـشـه الرغد

لقــد دهتنـــي بــدهيـــاء مطمـــــــطمة                      هــدت قـــواي ولــم يـصـمـد لهـا جلدي

واصبـــــح القلـــب منــــي فارغا دنفا                       كـانــه فــي فــراغ ليــس في جسدي

وفي هذا البيت استعارة رائعة وفيما قبله من أبيات حكم جمة تنبئ عن فكر متشرب بتجارب الحياة .. وممارس لتقلباتها , لكنه يعود ليصور حيرته ويرسم علامات استفهام حول ما شده به من موت الأمير خالد فيقول :

يمــوت خـــالد مــن ســارت محــامده                        مـن أرض تـيما الــى صنـعا الى الجند

ويلاحظ ان معظم من رثاه يذكرون في قصائدهم جميع الأماكن التي تولى الأمر فيها وخدم بلاده , ثم يعود ابن حميد يرحمه الله فيقول :

يا لهــف نفســـي ولهف اللاهفين معي                       علــى الشجـاع الجسـور الصـارم الجلد

علــى الكــريــم الــذي مــا خاب طالبه                       ومــن يــفــرج بلــوى كــل مـضطـــهد

علــى الأديب الــذي لان الـكــــلام لــــه                       نثــرا وفــي شـعــره كالطــائـر الغرد

لــه المعــارف قــد القـــت مقـــالدهـــا                       كالمنـهــل العــذب يـروي غل كل صد

مــا كنــت احســب ان يمتــد بـي اجلي                       حتــى ارى نــوره يـخبــــو الــى الابد

ومن العجيب .. ان الشيخ ابن حميد .. قد توفى بعد الأمير خالد وبعد قوله هذه القصيدة بأيام .. يرحمهما الله رحمة الأبرار ثم يصف بعض وقفاته العربية التي خاضها في سبيل أمن هذه البلاد فيقول :

وفــي الــوديعــة قـــاد الجيـــش تتبعه                       فيـالـق النـصـــر فــي القيعان والجدد

وقــل جمــع العــدا فــانفض جحــفلهم                       مــا منـهمـــوا احـــدا يلــوي على احد

فــي ذمـــة الله يــا مــن لســت أذكـره                       الا وينتــابنــي ضــرب مــــن النـــــكدِ

وتكاد تكون قصيدة الشيخ ابن حميد من أرقى القصائد بلاغة وأقواها ديباجة ويظهر منها تمكن الشاعر من فنه .. علما أننا لم نقرأ للشيخ ابن حميد شيئا في مجال الشعر لكنني واثق ان في ابها من يختزن في ذاكرته الكثير من روائع هذا الشيخ الجليل .   

الدكتور اللهيب :

ومن أبدع في رثاء الأمير خالد السديري – يرحمه الله – الدكتور احمد اللهيب وفي قصيدته تبدو روح ابي تمام والبحتري , وفيها يقول :

قالــت ألــم تأتك الأنبــاء فــي حـــدث                       مثــل الشــهــاب اذا اهـــوى بــنيــران

فقــد نـعــى خـــالدا دهـــر تفــرد فـي                       اخــذ الكـــرام علـــى قـســـر واذعـان

هنــالك انكشــفت فـــي غيبــها صـور                       وقــد افــزعتنـــي باشــكــال وألـوان

ثم يفرق بحزن عميق مؤلم فتتجلى في أبياته أنواع من الحكم التي ولدتها تجارب من الوقائع المؤلمة .. فيقول :

فـــرب سيـــــد قـــــوم فقـــده حــــدث                       لـم تغــن عنـــه جـمـاعــــات بــميــدان

فانــت كالـــغيث يتلـــى فـــي مواقعه                       ويـستــــراد بـــاخبـــــار وركــبــــان

انــي رأيت بــك الحسنــــى مـــفتـــحة                       ابـوابـــــها لـشــفـاعــات واحـســــان

قــد كنــت ربــوة ذي علــــم وذي أدب                        كالــروض منبــت ازهـــار واغـصـان

ورب داء يقـــــــوم مــزمـــن خــــــطــر                       ســلـــلتـــه بــمقـــــاديــــر    و  أوزان

خيـــر الرجــــال أنــاس يذكـــرون اذا                       انـــاخ خـطــب بــاقــــــوام واوطـــان

وكـــل قـــوم ذوي جـــاه ومـقــــــدرة                        لا يـحــسنــــون فقــد آبــوا بـخسـران

واعجـــز الناس فـــي دنيـــاه مقـتـدر                        لــم يــصنــع العـــرف فـي اهل وخلان

ان الــزخـــارف بالأمـــوال مــدركــــة                        الا الــرجـــال فمــا تـشـــــرى باثمان

وقد أثرت وضع هذا البيت الأخير في اخر هذه المختارات من القصيدة الطويلة علما ان مكانه جاء في مقدمتها .. لكونه تجانس في الاسترسال المحكم مع الأبيات التي قبله .. وهذه القصيدة تضاف الى ما سبقها من الفصيحات في النسق والبلاغة وعمق التأثر .. ولذلك جاءت كغيرها وافيه في التعبير غير ناقصة في التصوير والإحساس ونكتفي بهذا القدر مما قيل في رثائه – يرحمه الله – من الشعر الفصيح ومن المستحسن ان نعرج على ما قيل في رثاه من الشعر الشعبي .. وهو شعر فيه أنة وحسرة ولوعات خاصة وأن هذه القصائد جاءت من أناس عايشوه وعاشوا معه وخاضوا معه الحروب وعايشوه في السلم .. ووثق بهم .. ونالوا من مروءته المتعددة الشئ الكثير . فهو خبير بالرجال .. ولا يختار الا من يباري ظله .. ولذلك وفق كثيرا – يرحمه الله – في مهماته الصعبة بسبب حسن اختياره للرجال .. ونظرته الثاقبة لمن يباريه في مهماته .. ولعل أشهرهم الشاعر محمد ابن برجس الناصر الذي استعرضنا قصيدته من قبل .. ومنهم .. الشاعر نمر بن صنت العتيبي .. وهذا الأخير رثى الأمير خالد السديري بقصيدة تعتبر من عيون الشعر الشعبي لصدق معانيها وتأثر صاحبها بالحدث المؤلم .. وإحساسه بفقد رجل شهم يعتبر ظلا ظليلا له ولأمثاله من الأخوة الصادقين في علاقاتهم , وقد استطاع الشاعر نمر بن صنت .. ان يصف كثيرا من طبائع الأمير خالد السديري يرحمه الله , ويصورها اصدق تصوير لكونه عايشه وعاش معه .. وعاش كثيرا من أيامه ولياليه .

رثاء نمر بن صنت .. يقول الشاعر نمر بن صنت العتيبي :

وراي مــا ابــكـــي يــوم قفــا به النيا                       قبــر غــدا لـــي فـــي حشــــاه خليــل

خليلــي علــى الشــدات هو راس مالي                      هــو مـسنـــــدي يــوم الــزمــان يمـيل

يا كثــر معــروفــه ولانـــي بـجــاحده                       نـبـغــي انــجـــازي بالجميـل .. جميل

ثم كرمه فيقول :

خــالد ليــا جــا الضيــف كنــه مبشـــر                       تـسمــع لـذبــاح النـيـــاق صـهـــــــيل

ذبايــحــه للضيــف مــن شمـــخ الـذرى                       بيـــوم يـجـــــي فـــيه الكـريـــم بخيل

النـاس للضيـفــان تذبــح مــن الغنــــم                        وذبــايــحــه للضيـــــف كــــوم حـــيل

تشبــع بــه الضيــفـان والجــار والخدم                       ومــا زاد عــن هـــذا يـــروح ســـــبيل

ثم يصف شجاعته وتمام رأيه فيقول :

قــاســـي مهــامـــز ما يختلونه العدى                       يـصيـب ضـــده مـــن حـمــــاه جفـــيل

وطــا علـــى الحيــه ومــاتت بــسمــها                       مـــاتت وفــــي كــبــد الخصيـــم غليل

حكيــم عــديــم عــامــل الناس بالوفا                       عـــديم وفـــي عيــن العــديــــم جـلــيل

زين ليــا زانــوا وشيــن ليـــا انــكــروا                       وشيـنــه ليــا شــــاف الخصــــيم عليل 

وفي الحقيقة انه على اختلاف مواقع من رثاه من الشعراء سواء الشعر الشعبي أو الفصيح .. الا أنهم اتفقوا على كرمه وشجاعته ونفاد رأيه .. وتوفيقه في المهمات الصعبة التي أوكلت اليه .. ويكاد يكون خالد السديري من القلائل الذين يعملون بصمت ويخدمون هذه الدولة المظفرة بإيمان مطلق .. وهذا اوجد له ذكرى حميدة على الألسن وتقديرا مميزا لدى من عرفه ومن قرأ عن سيرته .. ويكاد يكون خالد السديري وإخوانه الذين قاموا بمهام صعبة من أجل خدمة هذه الدولة وقيادتها الحكيمة .. يكاد يكون هؤلاء من السداري .. من الرجال النوادر الذين يقل جنسهم في عصرهم ..وقد كان يرحمه الله – فذا في تعامله مع الناس .. ولقد عرفته عن كثب وعشت معه ليالي وأياما كثيرة .. تعجبت من لبوسه لكل حالة لبوسها .. وكيف يكون لطيفا لبقا هاشا في مقابلاته للناس متلطفا معهم في ايام سلمه .. وكيف يكون شخصا اخر عندما تدلهم الأيام وتبرز فتنة من الفتن يوكل اليه أمرها ..

شعره :

آثرت أن يكون الحديث عن شعر الأمير خالد السديري في آخر هذا الاستعراض ليرى القارئ إلى أي مدى صدق الذين رثوه سواء من ناحية براعته القيادية .. أو حنكته السياسية أو جزالة قوله , وكل هذا يبدو في قصائده التي قالها في حله وترحاله , حيث كان معظم شعره المؤثر والقوي أثناء سفره للعلاج حيث كان يرحمه الله – عرضة للكثير من الأمراض شأنه شأن الرجال الذين نذروا أنفسهم لخدمة هذا الوطن وقادته الكرام بإخلاص متناه .. لم تمنعه الأوبئة التي عايشها في المناطق   التي خدم فيها  بلاده ومليكه إلى جانب العوامل المؤثرة الأخرى مما لاقاه ويلاقيه أمثاله من أهوال يشيب لها رأس الوليد حتى تشرب بها وأصبحت ديدنه .. وأصبح كفؤا لها . وقد كان خالد السديري مثالا للرجل المخلص لوطنه ومليكه . وقد كانت ثقة للدولة فيه في قمتها وكان حبه لهذه الدولة وقادتها متناهيا وقد بدا ذلك في فعله وقوله .. ومن ذلك قوله :

ياســامــك سبــع الطبــاق بــلا عمــود                       والنـاس تــفهـم غيبــها واســـرارهــا

تــذرى لنــا شيــخ تســلل فــي فــهود                       وانـك تـفـكــه مــن جميــع اشـــرارها

عبــد العــزيز الليــث حمــاي الحــــدود                      هــو مقــدم الهيــجا وهــو مـغـــوارها

ثم يقول ساخرا من الطامعين واصحاب الضمائر الضعيفة :

يامــا اهبلك ياللــي طلب حـكم السعود                       كلمـة هــل التــوحيــــد شبــوا نــارها

النيــص مـا يـذكــر يجـي حول الاسود                       وام الخــرانــق مــاتـفــك احضــــارها

من رائع شعره :

الحربيات .. هي من أنواع ما قاله خالد السديري .. لأنه يقول القصيدة الحربية وكأني به يتصور نفسه وسط أحدى المعارك التي خاضها .. هكذا أتصوره . فهو همام دائما كأنما خلق للدفاع عن بلده وأهله وقادته .. وهو امتزاج نفسي مع نفوس أحبها وطاب حبه بها .. وفي أيام الوديعة قال رائعة من هذه الروائع .. ورغم أنها تصور بطولات الموقف السعودي إلا انه كغيره من الشعراء يفتتحها بالغزل .. ثم ينتقل إلى لب الموضوع وهو بارع أيضا في قول الغزل .. إلا أنني آثرت استعراض قصيدته هذه من وسطها لكن لابد من اطلاع القارئ على أول بيت فيها وهو يصور حاله التي كان عليها حيث كان يرحمه الله – يشكو من ألام المعدة .. والأمعاء وأصبح أكله منظما وبسيطا يزيده مرضه ثقه ,,,, كان الرجل الصبور الجلد الذي لا يفكر في الموت أبدا بقدر ما يفكر في انجاز ما عهد إليه به .. البيت الأول يقول فيه :

قـالــوا لــي اقعــد بالــذرى لا تـعــداه                        جســمــك مــواجـهــة الهبـايب نكـوده 

وبعد استعراض غزلي يرفض ذلك كله ويقول :

فــي طــاعة الــواجـب هـوانا عصيـناه                       ويبســت شنــون الحـب واسنت عدوده

ليـــــل سهــرنابه ولـيـــل ســــرينــــاه                       وليــل نـجفــل بـالمضــامــي .. رقوده

والـــى تــجــهــم جـــو درب وطينـــــاه                      قــول علـــى فعــل حضــور شــهــوده

نســـوقهــا مــع كــــــل دو ولهــــــلاه                       وتـاطـابـنـا ضــلـــع تنـابــح قــروده

تومـــى بنا الاقــــدار فـي كل مضماه                       وراس الــوعــد حــق عــلينــا نــعـوده

غــريمنــا لــو مــا وصـلنـا .. وصلنـــاه                       وبـشـيــة الله مــانـفـكــــــه جـنـــوده

ثم يسترسل في هذه القصيدة وكأنه رعد يدمدم ويزمجر كأن في ارض المعركة ويبدو لي انه يكتب قصيدته الحربية وهو يتخيل أرض المعركة وما فيها من كر وفر .. اسمعه يقول :

مـــوت دفنـــالـــه وســــم ســقيــــــناه                       وعـليــه كــســرنــا ركــايــز عـموده

إمــا عطــانــا الــحـــق والا خــذينـــاه                       وزرنا مــرابـيـعــه ودســنــا حـــدوده

ســلم لنــا فـــي مـــاض الـوقت واتلاه                    عــادتنــا فـينـــا .. علــى النــاس زوده

ثم يتكلم عن طباعه وطباع قومه وأهل بلاده من ناحية الكرم واستقبال الضيوف ويبدع في هذا المجال وقد شهد بكرمه جميع الشعراء الذين رثوه .. ومعرفتي به يرحمه الله – إضافة لما قيل عنه من قبل من رثاه . فقد كان هماما وكريما وكان متواضعا في السلم .. صعب المراس في الحروب .. ولعله في قصيدته عن الوديعة يشبه في اخرها قصيدة عمرو بن كلثوم التي يفتخر فيها بقومه وأهله .. يقول خالد السديري يرحمه الله :

وقــريبـنــا لــو غــاظنـــا مــاجفيــناه                        يـنـوط تـحــت اثــقــال حـمل بـكــوده

نعطيــه مطلـــوبــه ونــسمــع لشــكواه                       وعــن قــوة منـــــــا عـــدوه نــــذوده

ثم يقول :

الــى دفقـــنا المــا بـحــوض ملينــــاه                       ومــطــرودنــا مــالـه على النوم عوده

رفيــقنــا الطيـب بــفعــله ومـمــشــــاه                       بليــهــي مــا يشتــكــي مـــن بــدوده

وفي الحقيقة ان هذه القصيدة للأمير خالد السديري تعتبر من عيون الشعر النبطي الذي قاله .. علما ان له في هذا المضمار قصائد أروع وأكثر إبداعا وقصائده يمليها الواقع .. ويفرضها ما يلاقيه من متضادات الحياة وبلاويها ..

رحلة الى نيويورك عام 86                      

كانت رحلة من أجل العلاج.. فقد كان – يرحمه الله – يعاني من أمراض عدة .. فإذا تسلطت عليه ذهب للعلاج بعد إقناع شديد من المسئولين له .. حيث كان يفضل معايشة مهماته بنفسه .. وقد قال في رحلته هذه القصيدة وهي من أروع ما قال فيها الحكمة والنصح وفيها تصوير النفس المتألمة . وفيها ذكر الأحداث .. في درة من درر الشعر الشعبي ومن حق هذه القصيدة ان يفرد لها باب كامل لما احتوته من ذكر البطولات والولع بها ووصف من يستحق المعاشرة .. ومن لا يستحق .. يقول يرحمه الله :

ودعــت مــن ولا وغبتـــي فـــي وداعـه                       والعــرف بيــن النــاس وقفــة وتوديع

واخــذت أجــاهد ســاعة عقــب سـاعة                       ولــع بنـفــس جــابــر البيـن تـولـيـــع

واقفيـت عــن ربعــي وغـالـي الجماعة                       مــدفـوع دفـع الخـور مع مدخل الربع

اشيــل قلــب إنـحــــرق كـالــولاعـــــة                        بــلاه شــي قطــع عــــراه تـقطـــــيع

وبعد وصفه للطياره .. وبراعت من اخترعها يعود ليصف حالته فيقول :

انــا كمـا طفــل تــردى رضـــــــاعـــه                        لا امــه رضــع منــها ولا من مراضيـع

وهذا صحيح فان نجدا مرت في فترة من فتراتها بضياع العديد من الأطفال بسبب موت أمهاتهم وعدم وجود من يرضع فزج كثير من هؤلاء الأطفال ضعاف البنية لكن الأمير خالد يصف نفسه بعد إن فتك به المرض وأودى بحاله مثل طفل من هؤلاء الذين لم يرضعوا من أمهاتهم .. ولم يجدوا من يرضعهم .. ثم يبدأ في الجد فيقول :

حتــم علينــا مـــاشـــرى الــوقت باعه                        واجــالنــا مــكتــوبــة قبــل مــا نبيع

ومن عرفه عن كثب وعايشه يدرك صدق هذا البيت الأتي :

بينــي وبيـن اعتـــى النـــوايب رضاعه                        فيمــا ظـهــر والخيــر قســمة وتوزيع

أحـــــوك يــاقــلــب تجـــدد ليـــاعــــه                       حمــر المخــاطــر شــرعت في تشريع

جــاهـــده عـــن خفقتـــه وامـــزاعــــه                       وافـارعــه عــن كــل مــاراد تــفـــريع

لاشـــك لايــسمـــع ولافيـــه طــــاعـــه                       ولا ودي اذكــر فيــه شــدة وتــشــنيع

يــردنـــي رد بعنـــف وبــشــــــــاعـــه                       مــواقـف للـغيـــر فيــــها منــــافـــيع

رجــل تـــهمــه عــــزتــه وارتــفــاعــه                        يبـعـد عـن اللــي راعــه الخـوف ترويع

ويضــرب علـى الكايد ويرخص متاعه                         حتــى يقــوم بالظـــلام المــهاجـــــيع

ثم يبدأ في هذه القصيدة في النصح وبيان الحكمة .. وتوجيه من ولي امرا مهما ان يحسن اختيار من يرافقه فيقول :

مــن عجــز عــن كسب العظيمات باعه                        لاتـحتـــزم بــه يـا بعيـــد المــــــراميع

ومــن مــدلك فــي شيــــل حملك ذراعه                       ادفـــع جـــزاه ونـــوع الطـيـب تنـويع

ومــن شــاف فــي عــده لــوقته براعه                        ضــاعـــت عليــه ايـــام وقــته تقاطيع

والبــايـــر أبعــد عـــن بـــلاده وقـاعه                        خلــه بعيـــد ووســع الـــدرب تــوسيع

بيـت الـــردى يوذيـــك كثــــرة نــزاعه                        تـلقــاه يشبـــع بالخصــومـات ويجيع

وبيت الكــرم والجـــود فيــه الــــوداعه                        لا ضيـعـــــوا حـــق ولا ســرهــــم ذيع

ولم ينس في قصيدته هذه تصوير حال الأمة العربية آنذاك عندما كثرت المبادئ الهدامة التي خدع بها كثير من العرب .. وركض عدد من المخدوعين وكان رحمه الله قد نال شرف هزيمة رأس هذه المبادئ المخادعة عندما اعتدى على جزء من بلادنا بتوجيه من الملك فيصل رحمه الله يقول رحمه الله :

اشــوف لـــي وقـــت تعـــاوا اسبـــاعه                       ذولاك شـيـــوعييــن وذولا طمـــامــيع

يبــون كــسب ايمــاننــا بـالمــجـــاعة                       وهــدم الحصــــون النــايــفه والمرابيع

هـــــذا كــــلام او مهـــــازل دلاعــــــه                       انــا الجبــــال العــاليـــة والمـــداريــع

لابـــد مــــن يـــوم يــطيــــر شـــعــاعه                       حتــى نــطوعــهم علــى المـوت تطويع

ونبـــدل اسبــــاب الـــوقـــاعـه قطاعه                        ليـامـــا  نبـــدع بـالطــواغيــت تبـديع

ثم يصف نسيانه واصحابه لانفسهم عند ملاقاة العدو فيقول :

اعمــارنا أرخــص مــن حبــال القلاعه                       نــدخــل وعنـــد الله حســاب المطاليع

فهو لا يفكر في الفرار من الموت ولا يهابه .. ويقدم ولا يحجم .. ويأتزر بالإيمان وصدق العقيدة .. ويعتمد على الله في ذلك كله .. ثم يصف المعتدي فيقول :

الجـــور جـــور بثــورتــه وانــطبــــاعه                       يــدق راس الكــيـــر دق الفــــواريـــع

اتهــيب .. يــارجـــــــل بليـــا بتـــاعــه                       ويـهيــب رجــل يــجــرع الـــذل تجريع

المـــوت خيـــرا مـــن حـــياة مضــاعه                        وصــولــة مهـــابيــل وغمــطة جرابيع

وفي قصيدته هذه تصوير لأحاسيسه وآلامه التي لاقاها في كثير من المهام التي وكلت إليه .. ومكالبته للزمن وكره وفره معه .. ثم يختم قصيدته هذه بتصوير حاله فيقول :

هــذا وحـــالـــي يــابــس كــالــيراعة                       مــن جـــور بعــد ميَّـــع الكـبــد تمييع

كــود الــوصـــل ينــفــع قلـوب وجاعه                       الــوقت عــاــبس والليــالــي مضاريع

شعره الغزلي :

لم أحب استعراض قصائده في الغزل .. وهي وأن كانت مشاعر إنسان وجدت فيه المتضادات من حب وكره .. وغير ذلك من الأوصاف والطباع .. لكني أثرت عدم التطرق إليها علما أنها تعتبر من الشعر الرائع .. وهو كما يبدع في وطنياته .. فهو يبدع في غزلياته .. ولعله يسلي نفسه مما يلاقيه كثيرا من المهام المستعصية .. فيبدأ في هنيهاته العارضة يتذكر ويترك لخياله العنان مطاوعا قلبا مدنفا .. واني لأتعجب من هذا القلب الذي لم يهدأ له نبض منذ توليه المسئوليات الصعبة كيف يحن للغزل .. لكنها طبيعة البشر .. وقد يكون الغزل عند خالد السديري نوعا من الترف الشعري .. لان رجل مثله خلق للحروب والمجابهات لن تكون لديه الفرص لخلو القلب وإطرابه .. لكنه كما قال طه حسين عن عمرو بن أبي ربيعة .. وهو شاعر الغزل المبدع في الشعر العربي .. قال ليس كل ما قاله ابن ابي ربيعة فعله وأنا  أقول هنا .. إن كل ما قاله خالد السديري في حربياته ووطنياته قد فعله .. ومن لطف عتاباته الغزلية قوله :

كــم حــاجـــة حـاولتـــها ليـــن ملــيت                       اقــوم عــايــف والغـــرض مــا قضيته

الــوم نفســـي كل ما اصبحت وامسيت                       بللـــي ســلا عنـــي .. وانا مــا سـليته

الـــى برق لـــي ســـاعة واســفهـــليت                        رجـــا بـوصــله غــاظنـــي واشتكيته

سـلـــط علــــي وشتــت الفـكــر تشتيت                       قــاواً علـــى قتــلــي .. وانا ما قويته

ومثل هذا البيت الاخير قال محمد ابن سويلم المشهور بالفنان :

كأنـــي قتلتــه ياخذون القضاوي  وان                       صــرت انا المقتــول مــا يؤخذ قضاي

وان كان المعنى في عرضه مختلفا إلا ان الهدف عند الشاعرين واحد .. ومن لطيف شعره قوله :

لــو مــن لبــس ثوب حمــر صار مزبون                      مـعلــــوم كــل يـلبـســــه بــالعنـــودي

لاشــــك للمـخلــــوق لــــون ولك لــــون                       ولــونــك تـعدى النـاس مــاله حدودي

وفي هذه القصيدة تحس بمشاعر الأمير خالد السديري رحمه الله متدفقة وفياضة وصادقة , وتبدو أريحيته الفذة حتى في شعره .. حيث يقول :

يستـــاهــلك شيــخ لــه النـاس يرجون                       وتستــاهلينـــه يــا غــــزال النـــفودي

اميـــن فــــي دار الســعــادة تــحفـلون                      فــــي منــزل مــا داج فيـــه الحسودي

ومن معايشتي للمرحوم إن شاء الله تبين لي من ابتسامته الدائمة شفافية قلبه وصدره وهو محب للخير .. ولمن يحب الخير .. وهو ولع بالرجال الذين يملكون الميزات الحافلة بالعطاءات التي يسجلها التاريخ كمؤثرات في الحياة عامة .. وهو رحمه الله يحب رفاقه .. ومن حوله ممن يعايشونه ويعايشهم .. وهو متميز عن غيره بتملكه لشخصيات في شخصية واحدة .. فلا هو مع الرفيق والصديق والضعيف بالمتكبر أو المتفاخر .. ولا هو مع علية القوم بالفاقد لشخصية الند المخلص الأمين وتبدو شخصيته مصورة في قصيدته السابقة التي استعرضتها والتي مطلعها :

بينــي وبيــن اعتـــى النــوايب رضاعة                       فيــما ظـهــر .. والخيــر قسمة وتوزيع

وهذه القصيدة تجد فيها خلاصة تجربته مع الحياة والناس . ومع النوائب ايضا .. فكأنما خلق هذا الرجل ليركب صعبا .. ويلاطف السهول ويرق لها .

شعره الفصيح :

للأمير خالد السديري .. شعر فصيح لا يقل روعة عن شعره الشعبي أو النبطي .. وقد ظهر في شعره هذا تأثره بشعر ابن المقرب الاحسائي .. وعرفت ذلك من ديوان قديم جدا لابن المقرب .. كان يقرؤه على والده رحمه الله في سن مبكرة جدا فقد كان والده إلى جانب صفاته الحربية القيادية .. كان محبا للعلم والأدب ولذلك نشأ ابنه خالد على يديه في البدايات .. وكان من ضمن ما درس على والده .. ديوان ابن المقرب وكان رحمه الله .. قد أهداني ذلك الديوان الذي قرأه على والده .. كان يقدر ميولي الأدبية وكنت اقرأ عليه في الأدب القديم ومرثيات المحدثين في بعض الليالي التي أزوره فيها قي قصره بقروي الطائف .. وكان يوكل الي تدريس ابنائه عبد العزيز .. قاعد قاعدة خميس مشيط الجوية الآن .. وأبنه عبد الله رحمه الله .. وكان عبد العزيز محبا للناس رفيقا معهم متواضعا كما كان ابنه احمد من نوادر أبنائه في استظهار المعارف والعلوم .. ولديه حافظة نادرة .. وكان محبا للنقاش ومداولة الرأي وهو من  كبار القانونيين الأن في بلادنا وكان عبد الله رحمه الله ندرة في التواضع وحب الخير وكان انذاك على صغر سنه من رواد المساجد .. ومات رحمه الله ولم يكمل الثامنة عشرة من عمره في حادث في طريق كرا بالطائف .. وأما أبناؤه الكبار فهم معروفون . ويتسنمون مناسب عالية في الدولة على نهج أبيهم .. ولا أنسى ابنه متعب ويكاد يشبه والده كثيرا في البراعة في الرأي .. والمداولة .. وكشف أراء الآخرين وقد جر هذا الاستطراد في الحديث عن أبنائه الذين عايشتهم – جر ذلك ما ترسخ في ذهني عن هؤلاء الذين عشت معهم وأحببتهم وأحبوني .. وكان عبد العزيز كلما جاء من الرياض يزورني وقد شغلته أخيرا أمور الحياة .. وواجباته العسكرية عن هذه الزيارة فعفا الله عنا وعنه .

من شعره الفصيح :  

يــا فتنــة العيـــن ان العيـــن تــرعـــاك                       والقـلــب يـشــكــو تـجنيــك ومضنـاك

جــد الرحيـــل ومــا جفــت مـــدامــعنا                       فـهـل الـــى عـــودة بـالــحب الــقـــاك

بالامـــس كنـــا وكـــان الحــب ثالثنا                       واليــوم بنَّــا فـكيــف العيـــش لــولاك

وفي هذه القصيدة يظهر تأثره بابن زيدون ويقول في قصيدة أخرى :

ياســاهر الليــل قــد اضنـــى بك الارق                       ومــوجــــع القـلـــب والألام تـعتـنــــق

والليــل اطـــول مـــن دهــــر تــمر بـــه                       تبــقــى وحيــدا وثــوب الصبــر منفتق

ليــالـــي الانــس قـــد ولت محــاسنها                       لمـا انطـوى ثوب حبي واختفى الشفق

خاتمة :

وبودي استعراض جميع قصائده .. لأنها مليئة بالصبر وهي صورة من التجارب الإنسانية المؤثرة لكن ذلك سيطول وأمل أن أضيف إلى ما كتبته عن الأمير خالد السديري رحمه الله في وقت لاحق ما تبقى من شعره ليكون ذلك في كتاب يحكى قصة حياة رجل نذر نفسه ومعه إخوته لخدمة هذه الدولة .. وقيادتها الحكيمة .. فكانوا سيوفا لهذه الدولة في أماكن متفرقة وفي أوقات عصيبة كما كان والدهم رحمه الله من قبل سيفا من سيوف هذه الدولة مع القائد المؤسس الملك عبد العزيز يرحمه الله . بقى أن أقول ان المرحوم خالد السديري هو شقيق والدة خادم الحرمين الشريفين فهو خاله .. وابن خال أبيه , فهو منغمس في دوحة الأمجاد والبطولات رحمه الله رحمة الأبرار وعفا عنه واسكنه فسيح الجنات وأشكر الصديق العميد طيار عبد العزيز الخالد السديري على إهدائي ديوان والده وإتاحة الفرصة لي للكتابة عنه واستعادة أيام من أحب الأيام إلى نفسي .

راشد الحمدان 

جريدة الجزيرة - الجمعة 27 جمادى الأخرة 1414هـ الموافق 10 ديسمبر 1993م العدد 7743