أشعاره

دراسات عن شعره

المحاورات الشعرية

مختارات من الغزل

مختارات من الرثاء والحكمة

دراسه عن شعره

مختارات من الحربيات  والفخر

[دراسه عن شعره]

الأمير خالد السديري  شاعر في المعدودين

بقلم : معيض علي البخيتان

في البداية لا أدري كيف تكفلت بإعداد هذا الموضوع ولا لماذا أخترت هذا الشخص بالذات من بين الكثيرين , ولا كيف كانت المصادفة التي منحتني هذه الفرصة لكي أتذكر الكلمة الفاعلة , وأرى أنها الأبقى خاصة إذا كانت تصدر عن عقلية متأنية , تعرف كيف تحدد المنحى الأجمل , وكيف تعالج الضمنيات في حدود المفهوم وفي المدار الأوسع من حرية العطاء الذي لا يشوبه الدغل ولا تكدره الذاتيات المحيقه .. ولا يسمق عودُه وتتجلى ملامحُه إلا من خلال الرسالة العادلة في كل شؤون الحياة .. ولإن كنت قد وسمت كلامي هذا بجميل المصادفة فإنني قد اخترته أيضا بمحض الإرادة حين تتابعت أمامي أسماء الشعراء الكثر .. خاصة أن هذه الأرض الولود لا زالت مرتعا خصبا للشعر , ومرفأ منعتقا للملهمين .. والمفطورين على حب المفاجئ والنادر , وإذا كانت في سنيها الأولى قد انجبت , وأنبتت فإن ذلك النوى وتلك العروق الموغله لم تعقم يوما ما ولا تبينا فيها أثرا للجفاف أو التحول عن قيمتها من النماءِ والتوهج ,, قد يكون هناك شيء من الهمود الوقتي أو النعاس الذي يعقب الجهد ويلازم أواخر العنت والضيق ولكنها مسألة – وهي لازمة من لوازم الإستمرار – تُحدد بعواملها فتزول تلقائيا كما يتقشع الغيم , وكما تتضاءل العدسة الباهتة في سعة النور ونقائه .. لأن طبيعة ما نفترش قد خلقت لأن تكون وجهاً مفعما بالبشر , ووجها يبحثُ عن الحقيقة في تصورها وفي خلقها .. الأمر الذي مدد سلطان العربية حتى كان هذا الكوكب يوما ما محددا بخطوتيها ومعروفا متيقظا من خلال ما دفعته ومن خلال ما أرفدته , ومن أجل كل ذلك صار هذا التراث حقيقة لهذا الجنس وسمة غالية في كل الأنشطة التي يمتنُّ بها دون سواه من أمم الأرض , وعلى أية أمر فإننا نحرص على ان نثري هذا الموروث المتأصل في عقولنا وفي أبداننا ونحافظ عليه محافظتنا على وجودنا لأنه قد وعى كل الذخائر التي عقلناها ونقلناها بالدلائل والقرائن كما ورثناها وكما نتمسك بقوتها وفلاحها , وإذا حاربنا من يريد بها شرا أو يخاتلها بالجدليات والتمحكات والتغريب أو ما شابهها من الطرق الملتويه فإننا بذلك نبحث عن طبيعة الحياة في سيادتها واستقلالها ولا لوم علينا إذا بذلنا في سبيل ذلك كل ما يحضرنا وكل ما نقدر عليه حتى النهاية .. أما إذا عدنا إلى موضوعنا وإن كنا لم نذهب عنه بعيدا وإنما سقنا هذه الأسطر إيمانا منا بقوة امتداده ,, فنقول : إن الذين اختصروا الزمن وجعلوه عمرا قصيرا حافلا بجلائل الأعمال ووطنوه وتكيفوا معه لتحقيق الثبات للعطاء الملفت قد يعدون على الأصابع ومن هؤلاء المعدودين يأتي خالد السديري الشاعر المفكر بالدرجة الأولى والرجل المؤمن برسالته والذي أخلص إخلاصاً منقطع النظير لقيادته من ناحية ولشرف ما أنيط به من مسؤلية التكليف من ناحية أخرى .. أما الوفاء مع من يتعامل معهم أينما حل أو حيثما توجه فإنه قد اعتمد الخلق وحسن المعاشرة فكان مضربا لأمثاله في هذين دون مبالغة أو غلوٍ في المسلك .. ومن هذه صفاته جدير بأن يعنى بالبحث عن حياته وتتبعها بالدرس والتأليف , لأن هذه المكارم تعتبر عند المهتمين وعند المولعين بالتساؤل والاستخبار غاية في الناصية حينما يذكر الرجال وحينما يكون للكلمة وضعها الطبيعي , ومن هذا المنطلق المبسط قبل الولوج إلى شاعرية هذا العلم نحب ان نتكلم عن ثلاثة أمور أرى ان الدارس لابد وأن يضعها نصب عينيه قبل أيِّ شيء آخر , هذه الأمور الثلاثة وإن كانت معروفة منذِ قبل ومأخوذ بها هي في الأساس : ( قيمة الأثر , ومنشؤه , ومصدرية ما تمثله في هذه الحياة ) .. فأول هذه الأمور النشأة .. فشاعرنا قبل أن يكون شاعرا ومفكرا وأحد السيوف القوية المعروفة تحت راية هذا الكيان سليل أسرة لها مكانتُها في مجتمع الجزيرة العربية وفاءً وإباءً , فجده الأول ( عامر بن بدران ) رئيس قبيلة الدواسر الأزدية القحطانية بلا منازع وصاحب المثل المشهور : ( توسع يا برك للرجال ) قاله في معركة فاصلة بين قبيلته وبين أحد أعدائه الكبار , أما جده الأعلى فهو ( عمرو فريقيا ) آخر وجهاء سد مأرب الذي استقر به المطاف في وادي العقيق أو كما يسمى حاليا بـ ( وادي الدواسر ) وعامر بن بدران هو الذي يقول فيه كبير الضياغم , والضياغم أبناء عبد الرب من قبيلة مذحج القحطانية , أقول يقول في عامر :

ليلـة وردنــا العــِدْعِـدْ آل زايـــد        لا قلت نهنه مـن جـمامـه زادْ

ذبـح لـنا عامـر ثمـانين سلـجـــم        لا هنت ياغمر فـلاحــه بـــاد

فلا ظل إلا ظل غار من الصفـا         ولا شيخ إلا عامر بن زيــاد

ويقول راشد الخلاوي وهو شاعر هضبة نجد في زمنه :

خلا العرف من كسابة المدح والثنا إلا ( آضْمين) يم وادي الدواسر) و( ضمين) هذا كما أثبته أحد الأدباء المعروفين لقب عامر بن بدران دون سواه وعندما رحل عامر بن بدران في سنينه المتأخره عن وادي العقيق استقر به الترحال في المنطقة المعروفة به فكانت أسرة السدارى وتسنموا رئاسة مدينة ( الغاط ) منذ ذلك الحين وتوارثوها وجاهة وسماحة وبلاء حين يكون للقوة شرف القدوة , ومن أهم ما يحضرنا عن أحد أجداد شاعرنا المتأخرين قول حميدان الشويعر :-

من شـاهـد خشــم العرينــه              فالخاطر منقول أخطره

ومـن قال أنـا مثل سليمـان              كرم السامع ...........

وحينما بزغت شمس الدولة السُّعودية وحفظت لإبن هذه الأرض مكانته واستقلاله وسيادته كان منهم القواد وكان الأمراء ومن ثم أوفوا ما عاهدوا الله عليه تحت ظل علم هذه الدولة .. وطبيعيا أن يكون خالد السديري أميرا ورث تلك الخلال المتأصلة وان يعيش في هذا البيت كل المقومات التي لها مميزاتها التاريخية ..

ولد شاعرنا الأمير في أخصب بقعة من أرض آبائه في مدينة الأفلاج ذات الذكر الشعري العريق , إذا كان والده حاكما إداريا هناك من قبل جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله وذلك سنة 1333هـ وفي هذه السنة حصل معركة رهيبة هي معركة ( جراب ) بين موحد هذا الكيان وبين سعود الرشيد وهذا ما اعتمدنا فيه على جامع ديوان الأمير خالد .. ومكث هناك ما شاء الله حتى انتقل والده إلى مدينتهم ( الغاط ) وكان هذا الصغير فيه ولع وحبٌ للقراءة والتهام كل ما تقع عليه عينه وحيث إن الأوضاع التعليمية لا تزال تقتبس شعلتَها من الحلقات المتواضعة ومن الكتاتيب الملتزمه والمقتصرة في أكثر الأحيان على قراءة وتعليم الكتب الدينية والتاريخية المبسطة , وحيث أن لا مفر لطالب العلم من المرور بكتاب البلدة فقد أدخله والده من ضمن أخوته في كتاب مدينتهم .. وهكذا درس فيه القرآن الكريم تجويدا وإتقانا حتى تلمس السبيل إلى الكتابة وإلى عالم القراءة المتنوعة وكان والده بطبيعة الحال على قدر كبير من الإطلاع إذ كان لديه مكتبة تضم عدد لا بأس به من الكتب الدينية والأدبية والتاريخية وكان الإبن خالد لا يفتأ ينقب ويبحث ويلتهم ما يتيسر له في هذه المكتبة .. ولإهتمام أبيه ولما تفرس في ابنه الصغير من النجابة ومن الحب الشديد للعلم والعلماء فقد كان يطلب منه أن يقرأ عليه ما يتيسر له من تلك الأسفار فكان يقرأ عليه بالتأني والمراجعة الدقيقة سيرة بن هشام لأهميتها في النفوس المسلمة ولما فيها من الذكر العطر والمواقف التاريخية الفاصلة كما كان يقرأ عليه أيضا ديوان الشاعر الكبير على بن المقرب العيوني , وهذا الأخير علاوة على سمو بنائِه اللغوي وقوته الصورية مليء بالحكم والمعانة الصادقة وشيئا فشيئا حتى ثَقُفَ هذا الغلام وظهرت على وجهه سمةُ الطالب المتفاني , وأصبح الكُتّابُ الذي يرتاده لا يكفي ولم يعد بحاجة إلى حضوره ومدارسة منهجه , فاستقدم والده 1346هـ معلما من أهل القصيم يدعى عبدُ الله الحصين وكان ذا علمٍ وورع وشمولية ولذا طلب منه الأمير أحمد السديري تطوير كتاب ( الغاط ) وتحويله إلى مدرسة تعنى بالمعارف الدينية والعربية .. وفعلا شرع هذا الشيخ القادم في تدريس أبناء مدينة الغاط وكان اهتمامه منصبا على تدريس اللغة العربية والنحو وما يتبعهما من التطبيق والتبيين , ومن ثم استفاد هذا الطالب من هذه الدروس الجديدة , وإن كان لديه علم بذلك إلا أن بنآتِها ووضعية الحركات لها تثقيفٌ من نوع .. تثقيف دلل عليه هذا القصيمي الزائر فكان هو أول من أحدث هذا الترتيب المفاجئ في عقول الناشئة آنذاك .. إلا أن الحصيّنَ هذا قد غالبه الشوق على ما يبدو وأنه لم يعتد البعد ولم يفارق أهله لكي يستطيبَ النُّجعةَ في بلدة الغاط أو في أي مكان آخر فعاد أدراجه بعد سنة واحدة لا ندري أكملت أم ان حسبتَه للأيام كانت صارمه ؟ !! 

ولإن فعلها هذا القصيمي فلنا من أسلافه شاهد وموثق , وما صاحب الأثلات عن أفكارنا ببعيد !!

أما الشاب المتوقد المتوقد خالد السديري فقد عزم على مواصلة تحصيله المعرفي فقرر الإنتقال إلى مدينة الرياض وهناك تمكن من متابعة دروسَه الكبيرةْ على يدي عالمي نجد الجليلين الشيخ العلامه محمد بن ابراهيم المفتي والمحدث والشخصية المهيبة , كذلك الشيخ عبد اللطيف بن ابراهيم العالم واللغوي المعروف وكان الأمير خالد يهتم اهتماما بالغا بدروس قواعد اللغةِ وأسرارها عند الشيخ عبد اللطيف الأمر الذي قدح في نفسه قيمةَ العربيةِ وسموِها حفظاً وتدوينا وعلى هذا الأساس فقد حفظ بالتطبيق والتحليل شيئاً من روائع المتونِ شعرا ونثرا ؛ وعندما استقدم الملك عبد العزيز رحمه الله أحد الأساتذةِ المصريين الكبار لتدريس أبنائِه وجدها الأمير خالد فرصةً فانضمَ إلى دروسه وكان من بين من حضر دروس ذلك المعلم أفذاذ لهم وزنُهم المرموق , وكان بلا شك ملما إلماما واسعاً بالعلوم النظرية ؛ ومما درس على يديه القواعد والإنشاءَ والتاريخ وما في ضمنها من الملاحق والمراجع .. هذا ما قدرنا على تتبعه ومعرفته عن اساتذةِ شخصيتِنا وعن تحصيله العلمي وعن مصدريةِ ثقافته , أما هل نعتبر هذا التحصيل كافيا بالنسبة للشاعر والأديب وهل من الممكن ان نقتصر هذا التدليل مع وجود الموهبة والتمرسِ والمحاكاة لا ندري ولكن قد يكون هذا الطرحُ مقبولا إلى حدٍ ما .. إلا إننا لا نحب أن نسبق الحدث فنفاجأ بالتقرير قبل الإستنتاج .. إذاً لنستمر مع تتبع حياته قبل ان نستقرئ نتاجه الإبداعي فلعل في تضاعيفِ تلك الرحلة تأثيرٌ إحساسي له وقعُهُ وله مبرارته إضافة إلى ما سيجسده ذلك المشوار .. إذاً لنعد ونبدأ مع مدرسة أخرى لها إرهاص متغلغل في شريحة لا يبعد عنها إلا بقدر ما تكتمل فتوتُه ويعجمُ عودُه .. إنها مدرسة الحياة وطوفانُ خبرتِها الهائل لذا نجده بعد أن أطمأن إلى مستواه في الفهم والقراءة يلتحق بالجيش السعودي المتجه جنوباً إلى منطقة عسير كأحد الأفراد المؤهلين لرئاسة مجموعة معدودة في ذلك الجيش وكان أميرُ تلك المنطقة أخوه الأكبر تركي بن أحمد السديري ؛ وبعد وصوله بفترة وجيزة صدر أمر جلالة الملك عبد العزيز وهو من يخبر الرجال ويقيسُهم بمنظور لا يجارى في دقته وتصويبه .. أقول صدر أمره بإبقاء الشاب الطّلُعَهْ في أبها وكيلا لأخيه ثم معاونا له وظل كذلك يؤدي رسالته راجح العقل ممتلئاً بالخبرة حتى صدر تعيينه أميراً لمدينة جازان وما جاورها من المدن والأرياف وفي هذه الأثناء حصل هناك فتنة ( جبل الريث ) حيث توجه إليها بأمر من الملك عبد العزيز وهي بلدةٌ في جبل صعب المسالك ضيّق المعابر فصعد إليها ومن معه من الجنود الذين أختارهم وهيأهم ومن ثم بقيَ في تلك الناحية حتى خمد ذلك الحدث تماماً وعادت الأمور ميسرة كما كانت .. وفي أواخر الحرب العالمية الثانية أصدر الملك عبد العزيز رحمه الله أمراً بنقله إلى شرقي البلاد حاكما إداريا لمدينة الظهران ومندوبا لتشييد قاعدة ومطار الظهران وهناك باشر وأشرف وأعطى من جهده الشيء الذي يرى أنه ضريبةٌ في دمه لهذه الوحدة ولهذا التراب الطاهر .. وخلال عام 1366هـ صدر أمراً بنقله إلى العاصمة   ( الرياض ) ليباشر عمله الجديد كعضو في مجلس المستشارين .. وفي السنة التالية شكلت منطقة تبوك فانتدب أميراٌ لها من سنة 1367هـ حتى عام 1375هـ تقريبا , وقد حقق في توليه أمرة هذه المنطقة سبقا وحلا لمشاكلَ بالغةَ الأهمية وذلك بأمر من جلالة الملك مروراً بدخول ( تيماء ) فالمشكلة التي حصلت بين كبرى القبائل في تلك الناحية وهي قبيلة ( محمد بن فرحان الأيدا ) من عنزه وقبيلة ( ابن رفاده ) شيخ بِلِى ؛؛ وتعد مشكلتهم من كبرى المشاكل فلقد أُفِد إليهم عددٌ من اللجان إلا ان كل ذلك لم يزدهم إلا تحفزا وكيدا لبعضهم وأخيرا أمره الملك عبد العزيز بالتوجه إلى المكان المتنازع عليه وإحضار الأطراف المتنازعة .. وفعلا جمعهم بعد ان ظل قرابَة الشهر حتى قطع دابر تلك القضية وأزال الشحناء من نفوس الفريقين ؛ الجدير بالذكر أن منطقة تبوك كما روى لي أحد المقربين من الأمير خالد السديري من أحب البقع إلى نفسه ويندر ان تمر حكاية عن البلدان ولا يتذكر تبوك أو يتحدث عنها ويبين مالها في نفسه من إثره ومكانة متمكنة .. ويظهر والله أعلم انه أمضى فيها فترة من زهوة شبابه ومن قوة فتوته التي لا ينساها وعلى أية حال فقد فارقها عام 1375هـ حيث عين وزيراً للزراعة كأحد الشخصيات المتمكنة والمرموقة , وفي عام 1382هـ صدر الأمر السامي بتكليفه بالذهاب إلى نجران كمشرف على أمارتِها وكانت الحرب الأهلية في اليمن على أشد ضراوتها وعندما حصلت موقعة ( الوديعة ) قاد القوة السعودية التي اشتركت قيادة الكيّس الفطن ؛ وبقي مرابطا على ذلك الثقر حتى هدأت الأوضاع وسكنت تلك الناحية .. والأمير خالد السديري يعد في قيادته طاقة من الطاقات المتفردة سواء في جلده أو في حنكته أو في مثابرته ؛ ومع أنه عانى في أخريات عمره من الآلام والإنتكاسات الصحية وسافر كثيراً للعلاج وعانى من صنوف الطب ؛ حميتَه , وعقاقيره , طيلةَ ما يربو على العقدين من الزمن فإنه لم يضعف ولم يتوانى ولم يؤثر ذلك على قدرته واتخاذه للقرار الحكيم وفاءً مع المسؤلية التي أنيط بها وخدمة لمليكه ووطنه ؛ إذا لا نبالغ إذا قلنا إنه أحد تلامذة مدرسة الملك عبد العزيز ؛ وانه من النخبة الذين استلهموا سيرةَ ذلك البطل ووعوها وساروا على النهج المقتدي ؛؛ وكان دائما وأبداً يتحدث عن الملك عبد العزيز عن قوة إيمانه وبلائه وصبره وحبه لهذه الأمة وحرصه على جعلها أسرة واحدة متساوية , وقل ان يجلس في مجلس ولا يذكر ذلك المصلح وما فعله لأبناء هذه الأرض .. أما عن الصفات التي لازمها في حله أو في سفره فهو حبُّه المفرط للعلم ومدارستِه والعلماء ومجالستِهم , ومن هذه الميزة كان مجلسه لا يخلو من عالم أو من أديب أو من متذوق له بصرُه في المحفوص وله مختاراته من ركام الأدلة والمتون الموثقه .. أما الشعر ورجال الشعر فكان لهم عنده حظوةٌ واحترامٌ من جنس الأدب في شوارده وتقويمه وكان كثيراً ما يعيد الرواية ويتحرى صحتَها .. وكان نقّاداً له رؤيته التي يطمئن إليها .. وكثيراً ما كان يراجع المعاني ويقول بخبرته في التشبيه والمثل ومع هذا وذاك فإنه حينما ينتقد لا يصر على رأيه بل يضرب الأمثله من محفوظه ويشرك كلَّ من حوله ثم يراجع من آراء حاضريه ما يرى أنه الأفود والأبقى ولذا فالعنعنةُ لا تجد لها مستقراً في مجلسه ولا يحبذها من الآخرين فكيف يرضى بها على نفسه .. أما هل كان تدليله وحفظه مقتصراً على لون من ألوان الشعر أو غرضٍ من أغراضه المعروفة أو أنه ينحو منحىً رئاسياً أو أنانياً فهذا ليس من طبيعة ذلك الإنسان ولا يمقت في حياته مقتَهُ لمثل هذه النوازع الآنية البليدة ؛؛ بل لقد جمع مع سعة الإطلاع على آداب العرب وحروبهم وأيامهم وتاريخ مشاهيرهم خبرته مع السوادِ الأعظم باديةٍ وحاضرةٍ علاوة على تنقلاته ومشاهداته المستمره .. أو كما مرّ بنا آنفا..

أما ما يعجبه من الشعر – وقدمنا الشعر لكونه موضوع محاضرتنا – مع أن له ملكات لا نعلمها ولم نثبت فيما بين أيدينا من المتيسر فلقد كان يعجبه الشعر الحماسي بالدرجة الأولى ثم الشعر الغزلي العفيف ؛ وقال لي أكثرُ من واحدٍ إنه لا يمل من سماعها البتة في أي مكان وفي أيِّ زمان إلا أن الحماسي قد يستبد بظاهرة السماع لديه .. وسواء أكان هذا أم ذاك فكلاهما محبوبٌ ومتوافق مع الإحساس بالنبل !!

وقبل أن نقرأ شعره نقول :

 هذا هو خالد السديري الشاعر الذواقه , والأمير الذي قاد السرايا وخبرَ الجيوش وأبلى تحت هذه الراية المظفرة سنيناً هي كلُّ عمره .. وطالبُ العلم الذي أخذه جثيا على الركب وتنقل في طلبه هنا وهنالك , والشخصية التي خبرت شريحة المجتمع .. ووطنيته معروفة من الخاصة والعامة , وطبيعياً ان تؤثر فيه ويؤثر فيها .. وإذا كان هناك إضافة من جنس المناقب والخلال فليس هذا محلُّه وإن كنا نحفظ لشخصيتنا كثيراً من الوفاء والتذكرِ الحسن , وحسبنا بعد هذه المقدمة المتواضعة أن نورد ما قدرنا عليه من شعره أو ما اخترناه للتمثيل والتعليق وقبل ان نفتن بالشعر ونقضي بقية الوقت مع شذراته الآتية نحب أن نورد نصاً كتبه بيده عن الشعر العامي أو عن رؤيته لهذا اللون ؛ إذ يقول : ( لقد كنتُ أحب الإبتعاد عن قول الشعر النبطي أو الشعر الشعبي ذي الأوزان المستقيمة الذي لا يختلف عن الشعر العربي إلا في عدم تقيده بقواعد اللغة غير أنه قد تمر مناسبات يجد الإنسان فيها نفسه مضطراً إلى أن يسهم مع إخوانه ) .. أهـ

هذه الأسطر القليلة تكشف لنا عن منظور نقدي اختياري أعتمده شاعرنا وإن لم يفطن له كثيرٌ ممن قرأ هذه العبارات فمن ذلك انه حتى آخر حياته يفضل الشعر العربي ويرى أن ما سواه تابعٌ له أو أحماظ تتناقلُها المجتمعات مشاركةً ومسامرةً فيها شيء من اللذةِ وشيء من الترويح ؛ ولذا فاهتمامُه الأول كان بالشعر العربي وإنما قد ينساق بمحض الصدفة مجاراة ومشاركة لبعض من يحتك بهم ؛ أما الذوق النقدي الآخر فهو لا يرى للشعر مكانةً في العلم المعروف به ما لم يكن موزونا لا يشتط ولا ينخزل عن مقيسات الشعر وقيمته وسمو أبنيته وهنا نجد أنه خص الشعر العامي أو النبطي أو الشعبي أو سموه كما تشاؤن , أقوب خصه بتلك الميزات , وربما ان شاعرنا قد لاحظ ما تعرضه الصحافة أحيانا من ذلك الكلام الهلامي الذي يسمونه : ( الشعر الشعبي الحديث ) والذي لا يختلف في تعميته وضياعه عن سحابين الجدات أو عن مثيله من كلام المتأثرين والنقلة وانصاف المتعلمين الذين كادوا أن يعمموا هراءهم بالرغم مما يشهدونه من نتاج المواهب المقتدره .. هذا هو رأيه وهذا هو تعليقنا الموجز ؛ إذاً لنبدأ في قراءة الشعر وليكن غرضُنا الأول مقطعاتُ من شعره العامي الحماسي ,

القصيدة الأولى وهي على وزن ( الحربي ) أو العرضة يقول :

نبهج الروح يا مـن هـو نشد عنـــا          والحــرايــب نــولعـــها ونـطفيهـــا

يوم شانت وجــيه القــوم ما شنــا           بالـمــلاقـــا نبيع الــــروح واليهــــا

إن زمـا الجمــع بالهيـجـــا تبينــــا            لابــة بالـــوغى تســمع عـزاويهـــا

مـرتكين على اللي مـا سهى عنـــا           والفــرايـض لوجــه الــرب نديهـــا

بنت ياللـي تحـــط الكــف بالحنـــا           واشقر الراس فوق الردف كاسيهــا

لا تعشقـين مـنهـو جــاحــر عنــــا           نــاسـي واجــبه والنـفس مـغليـهــــا

مـن يفادي بــروحـه ذاك هو منـــا           وابـرق الريش يخسا مـا يصـاليهــا

بالســــلامه يجـــي وده يعــاونــــا           المــراجـل يبيـها مـير مــخطـيهــــا

حســـنوا لحــيته وخـــدوده اتسنـــا          أبــرق الــريش خــدينه انســـنيهــــا

ويقول على هذا النهج :-

نحــمد اللـــي علـى السـنة هدانــــا           ســـنة الأولــيـن الطـــيبــيـــــن

مــا نبالــي ولـو كثــرت اعــدانـــا           تابعيـــن امـــام المســـــلميــــن

عـن ادروب الــردى تكـرم الحانـا           والمــراجـل عليهـــا قالـطيــــن

يـوم دارت علـى الباغي رحــانـــا           مــا قطـعنا ســــلوم الأولـيــــن

نهج اجموع مــن يقـــاف نحــانـــا           بالســلايل نـــــرد العـــايليــــن

والـي العرش مـن جـوده عطـانـــا           قــوة تـــودع القاســـي يلـيــــن

هاتان المقطوعتان وضعهما جامعُ الديوان في المقدمة على انهما تمثلان الرؤية التي عرف بها الشاعر كأحد الرجال الذين أبلوا وانتصبت عروقهم في أكثر من حالة وأكثر من مهمة ؛ كان الواجب والوفاء هما الدافعان إلى تلك المواقف ؛ أما عن المسألة النقدية فإنهما في العرف المنظر تعدان من الشعر العفوي .. الشعر الذي ينساب على لسان صاحبه من الطبع لذا فإنني أصنفهما من الشعر الخطابي الذي يقصد منه شحذ الهمم وضرب الأمثلة الحادة ؛ لأن المواقف التي أملتهما توجب الإيضاح وذكر المذخورات ومن ثم الإستعداد وحسن البلاء .. أما حين يكون للمعاناة الداخلية دلالة وهوية ونريد أن نتلمس لها فإننا سنجدها في الإنطباع المنفعل بين الذهن والعاطفة وهنا تلتصق النفس بشفافية الوجود ؛؛ ويكون الشعر حين ذاك موافقا للرغبة زاحما للخفايا الفاعله في داخل الإنسان .. يقول وهو أقرب الناس إليه في إحدى سفراته العلاجيه :

ودعـت مـن لا رغبتي في وداعــه          والعــرف بين الناس وقـفــه وتــوديــع

ودعت عند اللي يحـفظ الـوداعـــه          هــاك الوجــيه العابسـات المجــازيـــع

وأخذت اجاهد ساعة عقب ساعــه          ولـــع بنفســـي جـــايـر البين تــوليـــع

  وعين تصب ادموعـهـا بــاندفـــاع         إن جيت أروضها على الصبر ما تطيـــع  

واقفيت عن ربعي وغالي الجماعه         مدفوع دفع الخور مــع مدخـل الريــــع

أشــيل قلب إنــحرق كالــولاعـــه         بــلاه شــــي قـطـــع اعـــراه تقطيــــع

ثم يصف الطائرة التي أقلته وهو يعاني من ألم الفراق أشياء أرهف وأدق مما يشخصه المنظور وتحدده الآلة .. يقول :-

قــطعت حـــبل مـــا نويت انقطاعــه        واقفـت بنا عوبا تقص المصـاريــــــع

إن قــلت نجـــم شـــاله الله وزاعــــه         واقفــي مشاهيبـه بـوجهــه مـواليـــع

أقفـي يكـــود امـتابعــه والتمـــاعــــه         قاربت وصف امضيع البعد تضييــع

أقفت كمـا بــوت تمــزع اشـراعــــه          إلا انها اسـبق مــن رمايا المـقاليــع

اتلفنـا لــف الـــزهـر واجــتمـاعـــــه          في جـوفها بين النجــوم الطـواليــع

ويعود فيذكر حالته في تلك الساعة دون أن ينسى جلده وإيمانه بالقضاء ومبررات الشكوى :-

بيني وبين أعتـــى النوايب رضاعـــه         فيما ظهــر والخير قسـمه وتوزيــــع

أحّــوك يــا قلـــب تجــــدد ليــاعــــه          حمر المخاطر شـرعت فيه تشريـــع

أجـــاهـده عـــن خفـقته وامـّـزاعـــــه         وافـارعـه عن كــل مــا راد تفريـــع

لاشـك لا يســمــع ولا فــيه طـاعــــه         ولا ودي أذكــر فيـه شــدة وتشنيـــع

بيت الـــردى يوذيـــك كثـرة نزاعـــه        تلقاه يشـبع بالخصــومـات ويـجيــــع

وبيت الكــرم والجــود فيه الوداعـــه         لا ضــيعـوا حــق ولا ســـدهم ذيـــع

هذه القصيدة التي استجزنا منها هذه الأبيات تكشف لنا كثيراً مما قلناه في المقدمة عن تركيبة الحياة التي عاشها الشاعر وسرت في دفق النمو لديه ؛ ومع إنها طويلةٌ بالقدر الذي لا يسمح بإرادها كاملة فإننا قد أتينا على زبدتِها ؛ أو لنقل أندر الأبيات التي كانت موافقه مع التمثل الصوري وهذا ما يهمنا .. ومن أراد الإستزادةَ فليرجع إلى ديوان الشاعر !!وقبل أن ننتقل إلى الفرض التالي تعالوا لنقرأ إحدى قصائده العربية في ذكر جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله , وتذكروا مقولته التي مرت بنا وقوسناها عن الشعر العامي وعن أنه قد يأتي إليه عرضاً لا انسياقاً ..

يقول :

لم يُلهني الرســمُ والتشبيبُ والغـــزلُ         ولا المنـــازلُ والآثــــارُ والطَّــلَــــلُ

لكــن هَوَيْـتُ خِــلالاً مـــن عبـاقـــرةٍ         هـــم المكــارمُ والأمـجـــادُ واُلمثُـــلُ

فـلــيس يطــربنـــي إلا شمــائلُــهــــم         إذا تدبــرتَ مــا قــالوا ومــا فـعلـــوا

وجــدتُ مـا سطر التاريخُ مـن عبَـــرٍ        ومــا تمــخّض عنـه حــادثٌ جَـلــــلُ

فـي ســـــيرةِ المـــلكِ البانــي لأمــــةٍ         صروحَ مــجدٍ عليـها العـدلُ مُشتمـلُ

موطـــدِ الدولــةِ العظمـى على أسـسٍ         من البطـولاتِ فيـها يضــرب المثــَلُ

عبـد ِالعزيـز أبـي الأبطـالِ قُـــدوتِهــم        من طاب أصلاً فطاب القول والعملُ

الثــابتِ الجــأشِ والأمــواجُ طاغيـــةٌ         يـومَ الجهــادِ ونــارُ الحــرب تشتعـلُ

وقــى الجزيـرة مـن شـرٍ أريـد بهــــا         فيهـــا المطـامــعُ تستـشري وتقتتـــلُ

وجـــدد الديــنَ والعــرفــانُ منتشــــرٌ         والحـــقُ متّـبـعٌ والشـــرعُ مُمْتَــثـــَلُ

يا صــاحبَ التاجِ بارك مـا أتمنتَ بــه        مكــاســباً قــد بنــاها الحزم والأمــلُ

زجّ المـــواكبَ وادفـعــــها مــدويــــةً         وامــضِ بمـــا أسست أبـــاؤك الأولُ

أضـفْ إلى مجــدهــم مجــــداً تؤثِّلُـــه         فــإنمــا المـجـــدُ فيـكــم ليس ينتقـــلُ

هذه القصيدة يمتدح فيها باني وحدةَ هذا التراب ورأس الزاوية القائمة في فداء كثيرٍ من الإنتفاضات الحرة , ذلك الرجل الذي حوّل مجرى تاريخ الجزيرة العربية وأجراه مجرى معاصراً له من سلفه ما يرفع الراس ويشمخ بالهمة كما أن هذه القصيدة تعكس لنا شيئاً من تمكن الشاعر وقدرته على نظم الشعر العربي الفصيح ؛ وهي وأخواتٌ لها ستأتي وفق ما يقتضيه الحال من هذا التتبع ستبين لنا مدى ما وصل إليه شاعُرنا من رياضة الفكر وكثرة المحفوظ , وهذه الأمور إذا تحققت لدى الموهوب عرف كيف يكون الصقل والتشذيب .. إن المعاناة ما لم تقدّم في حلية من حُلى البيان المتعهد بالتهذيب والموازنة لا تعدو عن كونها حدثٍ من أحداثِ الزمن التي تأتي تلقائياً وتذهب كما جاءتْ !! أما الجانبُ الذي يقابلنا بعد هذا فهو الجانب الغزلي أو غرض تجليات النفس ؛ والوجدانيات كما أرجح ضمنيات إنسانية يتساوى فيها أبناءُ هذا الكوكب إلا ان كلا يأخذُ منها بقدر .. وأجمل تلك الضمنيات ما حرك فيك معنى الحب في عفته وفي براءةِ تكوينه .. فتعالوا لنرى مدى صحةِ هذه المقوله ؛ يقول :-

هيـض القلـب صـــوتك يـــا حبيبـــي         والله أنـــي قبـــل لـــوحيه ســـالــــي

يــا حبيبي تـــرى جـرحــي عطيبـــي        وأنـت ســالـــي ولا تـــدري بحـالـي

جــرح قلبـــي عـطـيب مــا يـطيبـــي         دوك حـالي كمــا عـــود الخـــلالــي

يـــوم شـــفته عــليـه الله حســـيبــــي         اعـترض وانــثني مثل الهــــلالـــــي

هـــل دمعــي وغطـــى كــل جيبـــي          يـا هــل التــرف يا شـيٍ جـرى لــي

ويقول :-

وَقْفَتْ تطــالع بالســحــاب اعيونــــي         ســـحب يلــوح البــرق فــي تاليهــــا

لـعـلـــها تــــروي ظمـــى المفتــــونِ         وتســـقي بـــلاد نـــور عينــي فيهـــا

يــا طـول صـبري يــا مـثير اغبونــي        أعـــــدد الأيـــــام واغــــلــط فيهــــا

بـالهـون داروا يـــا هلـــي بالـهــــونِ         خلـــونــي اتبــع رغبتــي واراضيهـا

ويقول على طرق الهجيني أو وزن الهجيني ويسمى في شمال المملكة بـ ( الدُّومي ) وقد يغنى في المنطقة الوسطى على شكل سامري .. وهذا من الممكن ما وافق هذا الوزن :-

مــا توسّـع البــرقعْ اشــوي اشـــوَيِْ          انشـــــوف شٍ مـــا بعـــد شـــيفــــي

انظـــر بعينــــك يـــا حبيبــــي لــــيْ         واشْ لــك بتــعذِيبــــي وتكـــلـيفــــي 

عَلَقْـت بــك يـــوم القلــوب آظْـمِــــيْ         وضـــاعــت مع الماضي سواليفـــي

في وسـط قلبـي مــن هـــواك أكْــوِيْ         علــى امــرك امشــي لا على كيفــي

وقال على هذا الطرق أيضا:-

لبيــــك يــــا بــــو عيـون ســــود             يــــا مـــــن بقــلبــــك تلـــبينـــــــي

اسهـرتنــي والعبــــاد ارقــــــــود             يـــالــلـــي خـــــيـالك يســـــلينــــي

ارع الهـــوى يــا نـعيم العــــــود              واخــلص تــرى الحــب يـطوينـــي

حبل الهــــوي بيننــــا مـــمـــدود              يـــوم أنت تــاخـــذ وتعـــطــينــــي

واليـــوم عنـــدي علـيك اشهـــود              انـــك علــى المـــوت تـــــرمينـــي

ويقول على هذا النمط الراقص :-

يـــا هـــل الـــدوج ابــــو كشّاف              مــــا تـــشــــيلـــــون عـبـــد الــلـه

ارحــمـــوا مغــــرم مـــيــــلاف               مـــــنــــوتــــه شــــوفـــته خـــلّـــه

صـــــابنــــي نـــابــــي الأرداف              راعــــــي الــقــــذلـــــهْ الـــهلّـــــهْ

مــن ســبب كامــل الأوصــــاف              حـــــالـــــي اليــــــوم مـــنســـلّــــه

ويقول على الطريقة اللعبونية ( وهو وزن طوره وعرف به الشاعر الكبير محمد بن لعبون ) يقول :

المـولع حــط عــمـره بالطــريـــــقْ           مثــل ابــن لعــبون واللــي يلعبـــون

مـا كشـف غراتهن كــود الـبريــــق           قــال ابــن لعــبون وانتم تكشــفـــون

تكشــفون أوراق سحّـاب الــدليــــق           والســكارى فـي عسـلهم يســكــرون

التفــت فـي راعـي الوجـه الطليــق           فتنة العشـــاق فـي لــدن الغصــــون

وانتبــه للــي يشـــبــون الحــريـــق           فــي قلوب أهل الهوى اللي يزعلون

لا يخــلــنـك طــريـح مــا تضيــــق           ويـــدعــنك بالنــهـــود وبــالقـــرون

آه مـــن قلب إلــيا لحــق اللحـيـــق           وعـــارضــونـي يشربون ويلعبــون

ويقول :-

راعــي العـبايــه كـيف أبدلــه وبنســـاه         اللــي مشــى لــي بالخــفا والبيانـــي

ينســانـي الله لا نســـيـته وطـــــريــــاه         وشلون ابنسى واحـــد مــا نســـانــي

لـــزم علــي انــي علـــى فعـله أجـــزاه         واعطيه من روحـي مثل ما عطانـي

يـــالـيت مـرســــالي إلــى راح يلقــــاه          يــزورنــي لو نــوبــة فـــي مكانـــي

أودعـــه فـي مـــا  قِفـــى قبـــل فرقــاه          حيثه سـبايب ضـيقتــي وامتحــانـــي

وغيره ولو يرضى من الناس ماأرضاه          مـا بــي بديــل فـي ســهيل اليمانـــي

هذه المقطعات التي أوردناها كشفت لنا بلا شك عن تعامله الطبيعي مع المفردة الغنائية العامية ونفذت إلى البوح المتوتر من بوح شاعرنا ذلك الحنين الفطري الموله لدى الإنسان .. وإذا كان هناك من تعليق غير ما ذكرنا فهو إن هذا الشاعر في كلا أمريه قد أشار لنا دون مواربةٍ عن صفحته المضيئة وهذا ما كنا نتلهف إليه .. حيث اشبع هذا النهم العقلاني من خلال هذا التلوين وهذه اللغة الموسقة الطريه ؛؛ والأمير خالد السديري بالرغم من هذه العاطفة المشبوبة وبالرغم مما قرأناه من قصائده النارية التي بينت لنا صنوفاً من جوانبه الصامدة ؛ أبٌ يرقُّ ويتأثر حينما يقترب من الطفولة ويتملى ضعفَها ولدونةَ خلِقها أو حينما يحس بذلك النماء يتفتح ويأخذ طريقَه إلى الظهور .. ولذا فديوانه ينضح بفلتان أسريةٍ جميله بل حبٌ دائم الوجيب نحو أهله وفلذات اكبادهم !!  أما وقد عشنا هذه اللحظات ولبثنا ما شاء الله مع هذا الإنتظَام الدلالي وفق لغة الناس اليومية فإنه يجملُ بنا أن نتخطى ذلك إلى استقرأ التجربةِ عند شاعرنا باللغة العربية الفصيحة فا استمعوا أليه حينما يقول :-

أودِّعُ رُشْـــدى إن تــوارت ثــوانيـــا          فــكــيف إذا أمــتدّ الغيـــابُ ليــاليـــا

وفي القلبِ آهاتٌ وفي النفس حسـرةٌ          أكــابـدُ أقسـى مـحنةٍ مــن غــراميـــا

وفي الحب لي نهجٌ ولي فيه مذهــبٌ          أهـــيـــمُ وفـــيـــاً والــهــاً مــتنافيـــا

ويقول من قصيدة أخرى :-

يـا سـاهرَ الليلِ قد أضنـى بـكَ الأرقُ         ومــوجــعَ القـلـــبِ والآلامُ تـعــتنــقُ

والليـلُ أطـولُ مـن دهــرٍ تـمـــرُّ بــه         تبقــى وحيــدا وثــوبُ الصـبرِ منفتقُ

ليالــي الأنسِ قـد ولـت محـاسِـنُـهـــا          لما انطوى ثوبُ حبي واختفى الشفقُ

ويقول في هذه القصيدة المجودة :-

يــا فتنةَ العيــنِ إن العـيـنَ تــرعـــاكِ        والقلــبُ يشــكــو تجــنيكِ ومُـضنـاكِ

جَــدَّ الرحـيلُ ومـــا جفّــت مدامعُنــا         فـهـــل إلــى عـــودةٍ بالحـبِّ ألقــــاكِ

يــا ألطـفَ النـاسِ إلا فــي معاملتــي         هــل مـن ســبيلٍ فترعَيْني وأرعــاكِ

لا جـفَّ دمــعُ الــذي ينســى أحبّتــَهُ          ولا صــفا قلــبُ من ينســى مـحيـاكِ

اللهُ أعلـــــمُ أنـــــي والـــــهٌ قـَلـــــِقٌ          والهـجـرُ والبـعدُ أبكــانــي وأبكـــاكِ

رفقــا فـــديتُكِ فيـمــن لا حيـــاةَ لـــه         إلا بــرجـــواكِ أو يلــهـــو بنـجـواكِ

قلنا من ذي قبل – ولعلكم تتذكرون – إن الأمير خالد السديري يأخذُ من شعره مأخذا عفويا أو كما يسميه نقادُ العربية بـ ( شعر الطبع ) والشعر المطبوع هو الشعر الذي لا تظهر الصنعةُ واضحةً على ما يرسله من التعابير كما أنه يميلُ في أكثرِ الأحيان إلى التقرير وترك النفس على سجيتها ؛ وإذا أعوزته الصورة عمد إلى المحسوسات القريبة منه أو تخير من تراكم الثقافة ما يرى أنه لا يستعصي على القارئ العادي ؛ أما القارئ الذي يبحث عن التأمل وكد الذهن فإنه قد لا يجده في مثل هذه التراكيب المتقيدة بالبنية التقليدية ؛ أو قل بالرؤية هذه ؛ وعلى أية ِ حالٍ أردنا .. فلكل علاقتُه بالموروث الشعري في خصوصيته التبينيه ؛ أو الملمحه , أو في أطره العامه , إلا إنني أميل إلى التجربة التي تقطع علاقاتها عن الأشياء الجاهزة كليا دون كفران أو تنكر للموروث وإنما تستلهمه وتوظفه من ممكنات المناخ الكلامي , أو ما تعتمد عليه من الأبنية الثابتة , أما تشكل الحركة بالممارسة الجديدة وتعميق التلازم بين الهم وتكوين الخلق الشعري فإنه أكثر ما أحبذه وأحتفل له , ومن هنا نخلص إلى أن شاعرنا رجلٌ ثقفَ العربيةَ دون تمسكٍ صارم بهذا التثقيف , كما أنه أيضا لم يخلصْ للشعر أو يعطيه قدرا كافيا من وقته نظرا لتعدد مسؤلياته وإنما قد تغنُّ له الخاطرةُ فيصوغَها دون تكلف , وقد يكون الشعر كما يلوّح لنا أهلُه في الغالبيهّ العظمى شموسا إلا ما وافقه التهيؤ الكلي والمداومة على النظم . وأعتقد إن شاعرية خالد السديري تأتي وسطا في بعض الأغراض وتتميز في غرضين من أغراض الشعر التقليدي ؛ هذان الغرضان هما : ( الحكمة والرثاء ) وإن كان قد مرّ بنا قبل قليل أبيات في غاية من الطرافة والجودة .. ومهما يكن فهذان الغرضان مرتبطان ببعضهما , فهل من الممكن أنْ تتسعَ صدورُنا لإيراد هذه الأبيات من شعره الحكمة .. فيقول :-

الأيــام تجـــري والعـمــار اقــصـــارْ         وإلــى مـضـــى ليـــلٍ قـفــاه نـهـــارْ

أعــدد الأيـــام وأعْــــدي لــعـــدهــــا         وصيّّور مـا تصبح قصص واخبــارْ

قلـيلهـا واجــدْ كــفـــى الله شـــرهــــا         تضحكْ وهي ترمـي حِـممْ واحجــار

سـرورها الفـرقـا وصيحات الضحـى         وســعودهـــا تكشــف حـجـا لخيـــار

تبـعــد مـطـاليــق وتــدنــي غــيرهـــم        وكــم ناقــة شــربت بجــلـد احـــوار

أوصــيك يــا رجــل الرجــال بجارك         تــرى الرســـول موصــي بالـجـــار

افـرش له النفــس العـزيـزة واكـرمـه         تــركــك لجــارك لا تـــركـته عـــار

وهذه القصيدة من أجود القصائد الممتلئة حكما أخذ بمفهومها الشاعر ثم قدمها في هذا الإطار الذي ينساب ويأخذ بأيدينا إلى مكمن الخبرة والمنطق الحسن , وقبل أن ننتقل إلى غرضه التالي نورد هذه الأبيات الجيدة التي قالها بعد ان فقد في إحدى مراته      ( صقرا ) من أجود صقوره

مـا بيك يا دس عـدى منك مـصـروع         حتى الصقاره عفتها عقب مـا ضـاع

النادر اللـي شـوفته تـطـرد الـجــوع          اصغر مضاريبه عـطيبات ووســـاع

لعـل وادي دوقـره مــا بــه اقشـــوع         ولا عــاد ينـزل بـه مـن البدو نجــاع

أقفـى يضـف الـريش تقــول مليــوع          أصيح وارمـي اللوح لاشـك ماطـاع

هذا العديم اللي يحـط الصعب طـوع          المـوت يقــدح مـن احجــابه إلى فاع

طَبْ الحظر حرّة شخانيب وصـدوع          وجــينا نبــي دربـه ولا فيـه مقطـــاع

تأمل قوله : ( النادر اللي شوفته تطرد الجوع ) و ( اصغر مضاريبه عطيبات ووساع ) وقوله : (الموت يقدح من احجابه إلى فاع ) عبارات جلّها تذكر متفاعل والتفاعل هذا لا يحصل إلا في اللحظةِ الأخصب من المعاناة عند أولي الهم المستغرق .. أما الغرض الذي يلحق بغرض الحكمة والتوجيه وتأتي كلماته دامية إلى الحد الذي يشاركه كل المستمعين في حركاتِها وسكناتِها فهو الرثاء , ولما كان التأبين يصدر عن اجهاشات وانهدامات تفعل فعلها في بدن المثكول وينفثَها الملهمون لنا أمثلةً لا تتغير مع  الأزمنة ولا يؤثر فيها النسيان .. بل تظل تنزف وتتسع دوائرُها حينما يعيد الحدثُ نفسَه , فإن شاعرنا قد فُجعَ في حياتِه بفقد عددٍ من الشخصيات البارزة .. شخصيات له معها صلةٌ ورحم وصَدقُ معاشرة ؛ فمن هؤلاء جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز إذ يقول :-

أصـيح يـا فيصل على راس ما طــال         اصـــياح مســجـون ثقـيــل حـديـــده

حسـيت بالوحــده وانــا بين لـضــوال          وهذي اجروحي في اجنوبـي مجيـده

تَبْرى جروح الناس يـا فـرز الأبطـال         وجُـرحك بقلبـي قــام ينزف صديــده

الحـال عقبـك لا تسـايل عــن الحـــال         حــال تلاشـت مثـل عـود الجــريــده

وقفـت وقـفــة متـعب موجــع ضـــال          معيشــتي ضـنك وحيــاتــي زهــيـده

مثل الغريق اللي شـفوق علـى الجــال          لانـاش لـه جــال هــوى الجـال بيـده

آمـاله انهـارت ولا طــاب لـــه حــال          فتـرت ازنــوده مــا بلـغ مـــا يريــده

لو مات نصف الناس مـا سـايل ســال          عنهــم ولا تـعـب القــلــم بتـعـديــــده

واش عاد لو فيهم أجـاويـــد ورجـــال         مــا هــم فقيــده أنتــه اللــي فــقيــــده

لوني حظيظ كان كـان قبــاض الآجـال         استــعجــل أيــامــي شــهور عــديـده

يـا مقوم السنه إلـى عـــال مـن عـــال         وبــالفـعل نــوّخ بالمـلاقــي ضديــده

حــلال بالحـــيلات غلقـــات الأقـفــــال          وإن وقف الشـارب حضر يوم عيـده

ونرى انه مع هذه اللوعة لم يكتفِ بالقصيدة العامية بل أردفها بهذه القصيدة العربية :-

حمــلَ اللـــواءَ لينـصــرَ السـمــحـــاءَ          وحبــا الشـــريعةَ عــزمةً ومَضَــــاءَ

وســــما فحلّـــق للتضــامــنِ رائــــدا          ورقـــى فنـــال العــــزةَ القـعســـــاءَ

وسقى مريضَ القلبِ تـرياقَ الهـــوى          وأحـــــــالَ داءَ المســـلمـــيـــنَ دواءَ

ثم يقول منها :-

مـــلـكٌ تجـــرّدَ للجـهــــاد وللــبنـــاءْ          مـــن ذا يســـامـــي القـــائـدَ البنّـــاءَ

حتى إذا بهــر الـــوجـــودَ ســــنـاءُه           وأضـــاءَ مـــن الكـــونُ حين أضـاءَ

نشـر الضُّبابُ رداءَه فــوق الــــذُّرى          وكســـى الَقتَـامُ القــمــةَ الشــمّـــــاءَ

مـن هـول مــا دهــم الجـزيرةَ فُجــأَةً          مــن ذا يــطيـــقُ يتـــابــعَ الأنــبــاءَ

وإذا الفــجيعـةُ طــبقّـتْ أرجـــاءَهـــا          وإذا المســـيـرةُ تســـتحــيلُ بــكـــاءَ

ويقول بعد أن فقد أخاه الأكبر تركي بن أحمد السديري :-

ســهران يا تـركـي وغيري ينامـــون          والعمــر زلــت يــاعـزيزي طراتـــه

وقفت أناظر قـبــره اللــي يحفـــرون          قـبـر وحِيـش جـمعـوا بـــه رفـــاتــــه

سـاووا مـكانه والكـفــن لــه يفكـــون           فـي جـرفٍ أظلـم انتهت به حــياتـــه

وصـفوا علـى قـبره رجــال يــدزون           تـراب قـبــر وسّـــمـــوه بحــصـــاته

أمـس طـليق القيـد واليوم مسـجـــون           وركب الحياة اللي مشـى فيــه فاتـــه

قعدت لا صاحي ولا نيـب مـجنـــون           وجــيــع قلــب طــاولتـــه انهــتاتـــه

أما القصيدتان التاليتان التي رثى بهما الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن فتعدان من ارصن القصائد التي يجب مطالعتهما وتقدمتهما وتدلان دلالة واضحةً على اتقاء الشاعرية عند شاعرنا وان رحلةً من الشجن المتجزر قد أكلت من بدنه وروحه ؛ لذا كانت هذه الرحلة لها صلة جوهرية بما يترجمُ لنا هذا التراكم المشخص .. استمعوا إليه فيما اقتطعنا من هاتين العينتين :-

أودعــــك وعـيونــي تـهـــل ادمــوعْ           بــلاي يــــوم انـــي علــيـك جــزوعْ

أودعـــك يــا نــور البـلاد وركنـهـــا           أودعـــك ووداع الـعـــزيـز يــــروع

أودعــك يالغــالـي ومــيزان الــوفـــا           وغيــري تــودعـــك امـــة وربـــوع

أودعك ووداعــك علـــي مصـــيبـــة           إعــبار تكســـر بعـــدهن اضــلــوع

أودعك وجنوبـي تســيل اجـروحـهــا           والقلــب عقبــك مــوجـــع مــليـــوع

ودعت ابــو خـــالد وقلبــي خــايــــر          مخلوع من جوف الحشـــا مشــلــوع

واشـلون يــا دار رحــل من جــالهــا          أقــوى الفـــراق وقلبــي المـــفلـــوع

مضــت بـه الأيـــام حتــى ســـاقتــه           إلـى مــوحش لــه بـالظــلام فـــروع

ويقول في قصيدته العربية التالية :-

مــا كنتُ أحســب أننـي بـك أُفـجَـــعُ           وأودعُ الصــبــرَ الجــميلَ وأَجــــزعُ

وتنالُ مــن جلدي الحوادثُ والأســى           وتـــَدُقَّ أبــــوابَ الســـلوِّ وتَــقــــرَعُ

ويطاول الخطبُ المهولُ شــوامخـــاً              فـي حُـزّةً منــها الخُـــطُوبُ تُــــروّعُ

ويُصارعُ الـرزءُ العــظيمُ مُجَـــرّبـــاً           قضــتِ الـــرزايــــا أنه لا يُصْـــرَعُ

ولكــــم تصـــولُ النائـبـاتُ وتنثنــــيِ          عنـي وركـنُ الصـبرِ لا يـتـزعـــزعُ

حتــى نُعـيْتَ لـنـا فكـانـت رجـــفـــةً           صــعقَ الأنــامُ وضـج منهـا المَسْمَـعُ

ولقــد نَعَوْكَ وإنمـــا نُعِــيَ الــهـــدى           وأجـــابَ خــالقَـــهُ التــقــــىّ الأروع

أمكفكفَ الــدمــعِ الغــزيــرِ تَصَـبــرُّا          دعــها تَسِـــحُّ ولا تَـــشـــحُّ الأدمـــعُ

فعليك ( عبدَ الله ) يُحْتســبُ البـكـــاءْ          لـو كــان يجــدينــا البكـــاءُ ويـنفـــع

لبكـــا ولنتــحــب الـجــميـعُ مـؤبِّـــنٌ          ومـــهـــينمٌ ومـــشــيِّــعٌ ومــــــــودِّعُ

والأصدقــاءُ لهــم عليــك من الأســى          مُـــهَجٌ تــــذوبُ وأكْــبُدٌ تتـــقــــطّــعُ

مســتعبرينَ تصـعــدتْ زفــراتُــهـــم          والله أعـلــمُ مـــا تُــكِـــنَّ الأضــلـــعُ

تستمطرُ الـرحمـاتِ فـوق ضـريحِــه         والله رحـــمـــتُـــه أبـــــرُّ وأوســـــعُ

 

.. وأخيرا .. هذا هو الأنموذج الذي أوقفنا عليه الأنتخال من شعر الأمير خالد السديري علماً بأننا قد تجاهلنا عبارات المديح والفخر ليس لأنها دون المستوى مما ذكرناه ولكننا نعتبر أن هذه العبارات الحضورية تكاد تكون متقاربة في أشعار العربية جمعا .. ومن ثم فقد استقرأنا ما يحدد الشاعريةَ المتجددة ويبين الطابعَ والمنهج , وعلى هذا الأساس فقد وجدنا فيما قرأناه جزالةً وسمواً في الديباجةِ مع استرسال  وانقياد متواضع لذا فخالد السديري علاوة على حُنكتِه شاعرٌ في المعدودين إلا أنه لم يَسْعَ إلى الصحافة كما هي الحالُ مع غيره , ولم يهتم بنشر شعره ولم يفاخر أو ينتفخ كما يفعل كثيرٌ من الشعراء وإنما ترك ذلك للزمن ومشى وسطا مقتنعاً حتى آخر حياته .. وهكذا يكون ديدن الواثقين أو لنقل المطمئنين إلى ما وصلوا إليه .. وأرجو من الله أننا في هذه المحاضرة قد الممنا ببعض الجوانب التي تهم المتابعين من عطائه الموضوع بين أيدينا فإن كنا قد أصبنا أو قاربنا فهذا ما نريده وما اجتهدنا من أجله , وإن كانت الأخرى فسبحان الذي لا يزل ولا يضل .. والله من وراء القصد ؛؛  

 الباحث والناقد  : معيض البخيتان

ألقيت هذه المحاضرة فى مهرجان الجنادرية عام 1408هـ