بعض كتاباته ومراسلاته

مراسلاته

كتاباته

مواقف معبرة

[مواقف معبرة]

 الواجب والعاطفة

سؤال : حادث معين حرت فيه بين الواجب والعاطفة ؟

جواب : في خلال عملي بإمارة (جيزان) وصلنا خبر شخص هارب ومتهم في جرائم قتل ..

وجردت حملة بنفسي وكان من أهدافها القبض عليه .. وكان الوصول إليه من أشق الأمور لاعتصامه بمناطق لا يمكن أن تتصور صعوبة الوصول إليها .. ثم أنه هرب الى مناطق خارج حدودنا وكادت الظروف تجعل من المستحيل القبض عليه .. ولكن دراستي النفسية لعادات وتقاليد الأهالي جعلتني ألجأ لحيلة تجبره على التسليم فمن عادة هذه القبيلة الطيبة الوفاء للجار مهما كان ثمن هذا الوفاء وكانت النظرة لحق الجار تبلغ القداسة .. وفكرت في القبض على جاره.. وفعلا قبضت على (جاره) وبعثت به تحت حراسه قوية الى جيزان وأعلنت بين الأهالي أنني لن أطلق سراحه ما لم يسلم الهارب نفسه وحاول الهارب أن يترصد للقوة التي بعثتها مع الجار المقبوض عليه لينتزعه منها ولكن القوة لم تمكنه .. ولما عجز الهارب عن فك أسر جاره .. وأحس بأنني جاد في سجنه .. لم يبت ليلته حتى لا يلحقه العار وتقدم إلى من تلقاء نفسه ليسلم نفسه ليضحي برقبته .. كان مثالا رائعا للوفاء بحق الجيرة وأكبرت في القاتل وفاءه وشهامته وكان من حقي تنفيذ حكم قتله أو سجنه أو العفو عنه بإقناع أولياء الدم بالعفو ولكني بعثت به الى السجن وأطلقت في الحال سراح جاره أو المصيدة التي صدنا بها القاتل وعشت فترة في صراع قاتل .. يجب قتله ولكن هناك معنى كبيرا يجب ألا أقتله في نفوس الناس هو (الوفاء) أن من واجبنا أن نعلم الناس الوفاء وحق الجيرة .

وفي هذا الأثناء صدرت الأوامر العالية بنقلي من أمارة جيزان الى أمارة الظهران فسلم السجين لأمير جيزان الذي خلفني وكان أخي (محمد السديري) وهنا تقدم أولياء الدم يعلنون عن تنازلهم عن حقهم تقديراً لوفاء القاتل .. فاستأذن في التنازل عن الحق العام من أجل الوفاء .. وبهذا أنقذ (الوفاء) الرجل . أنظر المقابلة كاملة فى المقالات التى كتبت عنه (مقابلات صحفية)

 

منتهى التضحية وأسمى معاني المروءة

قرأنا فى كتب الأدب العربى وفاء كل من الأديبين المشهورين عبد الحميد الكاتب وعبد الله بن المقفع ، والرواية تفيد أن الأول كان متوارياً فى بيت الثانى ، خوفاً من سلطان الدولة العباسية التى كانت تنقب عنه لتضرب عنقه ، بصفته أمين سر مروان آخر خلفاء بنى أمية الملقب بمروان الحمار ، وعبد الحميد بالإضافة إلى أنه أمين سر مروان وكان كاتبه الخاص ، بمعنى رئيس الديوان الملكي بالعصر الحديث وبعد الجهد الكبير الذي بذلته الدولة العباسية للعثور على عبد الحميد ، وجده جنود السفاح العباسي متخبئاً فى منزل صديقه عبد الله بن المقفع حسب الرواية المنقولة .. وكان الجنود لايعرفون شخص عبد الحميد مما جعل عبد الله بن المقفع يتطوع بمحض إرادته ووفاء منه ويلقى بنفسه بين جنود السفاح الجبار قائلاً :

- ها أنذا عبد الحميد الكاتب الذي تسألون عنه ، وعندما أراد أن يقوده الجنود إلى عالم الأموات أسرع الكاتب وقال :

- أن الرجل إفترى عليكم إنني أنا عبد الحميد الكاتب أما هذا فإنما هو عبد الله بن المقفع . فأخلوا سبيل المقفع ثم قادوا الكاتب وقتلوه ..

- لقد كان لهذه القصة مكانة مرموقة فى كتب الأدب ، مع العلم اليقين أننا عندما نوازن بينها وبين قصتنا التى سوف نوردها في هذا الباب نجد أن هناك تبايناً كبيراً بين هذه وتلك :

أولاً : أن قصة إبن المقفع وصديقه وقعت في مستهل القرن الثانى الهجري أي من مدة إثنى عشر قرناً ونيف .. فإذا سلمنا جدلاً بصحة وقوعها فلنا أن نقول : أن الوفاء والتضحية بين الأصدقاء في ذلك العهد شيء مألوف ، ولم يكونا موضع غرابة كغرابتهما بعصرنا الحديث الذي لا يقال عنه إلا أنه عصر مادي عار ومجرد من أي شيء يمت إلى الأمور المعنوية أو الروحية بأدنى صلة من الصلات .

ثانياً : هناك من الإضطراب في الرواية ما يجعلنا نشك في صحة الحادثة عندما نناقشها من الناحية التاريخية على الوجه الآتى :

من المعلوم أن إبن المقفع كان مجوسياً ولم يسلم إلا فى عهد الدولة العباسية على يد عيسى بن علي ، فيكون بين المقفع والكاتب تباين في الرابطة الروحية العقائدية التى هى أقدس الروابط وأوثقها صلة خاصة في ذلك العهد فإذا أمكن أن نصدق بأن أحد علماء المسلمين المتعصبين الأتقياء يفتدى نفسه بشيوعي متعصب كخالد بكداش مثلاً أو العكس ، إذا أمكن أن نصدق بذلك جاز لنا أن نصدق أن مجوسياً كأبن المقفع يفتدى نفسه ويدفعها قرباناً لمسلم كعبد الحميد الكاتب ..

ثالثاً : من المعلوم أن إبن المقفع قتله المنصور فى العراق سنة 146هـ . وكان سنه وقتذاك ثلاثين سنة بينما نجد عبد الحميد الكاتب قتله السفاح فى مصر سنة 132هـ . فمعناه أن إبن المقفع في سن السادسة عشرة في التاريخ الذي قتل فيه عبد الحميد ، أي فى سن المراهقة فكيف ترسخ عرى الصداقة بين كهل كعبد الحميد وصبي مراهق كأبن المقفع .. ومن هنا يكون التباين سافراً بالعقيدة وبالسن ..

ومثل فصول هذه الرواية المضطربة يجعلنا لا نؤمن بصحة قصة إبن المقفع والكاتب كإيماننا الراسخ بهذه القصة التى لا زال بطلها حياً ، ورواتها على قيد الحياة وتاريخ حدوثها في عام 1361هـ .

في قمم الجبال :

في جنوب شبه الجزيرة العربية وفى رؤوس الجبال الواقعة بقرب قرية تسمى (بيش) من قرى جازان تقيم هناك قبيلة من قبائل العرب يقال لها قبيلة الصهاليل قحطانية النسب يعيش رجالها ونساؤها من ألبان ولحوم أغنامهم وزراعتهم .. وقل أن يأتى أحد منهم لمدينة جازان ، اللهم إلا فى المناسبات الطارئة النادرة ، وإذا قدر لأحدهم أن يأتى المدينة لقضاء غرض ما فيدخلها بحذر وبسرعة خاطفة ، فكأنه طير في قفص لا يهدأ له بال حتى يفارق البلاد وأهلها ويعود إلى رؤوس جباله يغرد بين أشجارها وهضباتها كالبلبل عندما تزدهر الأشجار وتينع الأثمار في ليالي الربيع ..

ويعيش بين رجال هذه القبيلة فتيان أقوياء الشكيمة شديدو المراس وكل فتى منهم يرى لنفسه من الشجاعة والإعتزاز بالنفس القسط الوافر . ومن النادر أن يذعن بعضهم لبعض وكانوا مختلفين في سيرتهم وفي حل مشاكلهم المتعددة ، فمنهم من لا يتورع من أن يكون قاطعاً أو سارقاً أو معتدياً على ضعيف لا حول له ولا طول ، ولا يهمه إلا أن يثبت قوة عضلاته وشجاعته بين رجال قبيلته حتى يكون مهاباً بصرف النظر عن كون شجاعته هذه على حق أو على باطل فكله سيان ما دامت النتيجة أن يهابه فتيان الحي ويخشون سطوته ، ومنهم من يبتعد كل الإبتعاد عن أذية أي كان ويحاول ما إستطاع أن لا (يتحرش) بأولئك الذين يؤذون ويظلمون من يقع بين أيديهم ..

أسد لا يؤذي ولا يرحم من يؤذيه

وكان من بين أولئك الفتيان القلة الذين لا يجتنبون الاذى والإيذاء ما أستطاعوا ، فتى يدعى (ناجع الصهليلي) قليل كلامه ، كثير حياؤه ، لايعرف عنه يوماً من الدهر أنه آذى أحداً أو أساء إلى أحد ، كان في صمته يشبه الأخرس وفي حيائه يشبه الفتاة العذراء ، كان جل همه رعي غنمه القليلة العدد التي لايزيد لبنها عن حاجة أمه وأبيه ، ولكنه رغم إحتنابه المشاكل وإبتعاده عن الأعمال العدوانية التي يقوم بها بعض أقرانه ، بالرغم من ذلك فإن الفتى لايدع البندقية تقع من يده لحظة واحدة ، فكان دائماً وأبداً متوشحاً بالذخيرة ومتقلداً بندقيته ومستبطناً خنجره ، وكان صمته الطويل ، وحياؤه الكثير ، لم يجلا له وقاراً في صدور البعض من فتيان قبيلته ، الذين يعتبرون الصمت عجزاً ، والحياء ضعفاً ، وكذلك بندقيته التى لا تفارق يده وذخيرته التى يتوشح بها جنباً إلى جنب مع بندقيته وخنجره المصقولة التي يضعها تحت صدره وفوق خاصرته من الجانب الأيمن ، كل هذه المعاني لم تجعل له أية هيبة عند النفر الذين لا يعرفون لغة إلا اللغة التي من جنس عملهم الذي هو النهب والسلب والضرب ، والقتل إذا إستدعى الأمر إلى ذلك .

وفي أحد الأيام تجمع خمسة فتيان من الفتيان (القبضائية)([1]) وقدروا أن يهجموا على ناجع وينهبوا منه غنمه ويسلبوا منه بندقيته الجميلة وخنجره الفضية ، وفي غفلة منه أو عدم مبالاة منهم به ، هجموا عليه كما تهجم الذئاب على الحمل الوديع ، وفي أسرع من لمحة البصر إنقلب الفتى الخجول الصامت إلى أسد هصور ، فبرك على الأرض وصوب فوهة بندقيته التى كان في بطنها خمس طلقات نارية على الأول من المعتدين فأرداه قتيلاً ، ثم صوبها نحو الثاني فكان مصيره كمصير زميله ، وهكذا أبدهم كلهم في دقائق معدودة بدون أن يترك لأي واحد منهم فرصة للقتال أو حتى للفرار ..

كان لكل واحد من هؤلاء الفتيان صولة وجولة في البلاد ، وكان مصرعهم على يد ذلك الفتى الخامل الخجول مبعث السرور والإطمئنان في صدور كثير من المواطنين الآمنين وفي ذلته أدخل الرعب والهلع في قلوب قطاع الطرق الذين رأوا أن طليعتهم لقوا حتفهم على يد ذلك الفتى الذي لم يأبهوا له ولم يحسبوا له أي حساب .

وكان من حق الوالي على منطقة جازان الذي هو خالد بن أحمد السديري أن يعاقبه فيما لو جاءته أوامر صارمة من المرحوم الملك عبد العزيز تقضى بعقاب ناجع وما دام الملك لم يهتم كثيراً بأمر المقتولين بعدما شرح له الوالي بأنهم قطاع طرق فإنه من مسلمات الأمور أن الوالي لم يعر القضية إهتمامه أكثر من أنه وضع إسمه فى حقل القائمة السوداء .

بلغ الخبر (ناجع) أن حاكم المنطقة وضع إسمه في القائمة السوداء للمجرمين وأنه إذا ظفر به سوف يحاكمه على قتله المواطنين الخمسة ، ولكن ناجعاً لم ينقل كثير هم لهذه الإخبارية لعدة أمور :

أولاً : أنه لا يفكر أن يذهب إلى المدن التي فيها شرطة للحاكم .

ثانياً : وثوقه من نفسه ألا يستطيع أحد من الشرطة ولا من غير الشرطة أن يلقى عليه القبض لا ميتاً بعدما يدفع ثمناً لحياته من الرجال الذين يحاولون تسليمه للحاكم .

ثالثاً : أنه مطمئن بأنه حتى ولو قدر المستحيل وهجم عليه قوم من جنود الحكومة وهو نائم ثم شدوا وثاقه وقادوه مكبلاً إلى سجن الحاكم فإنه لايدينه الشرع الإسلامي لا بالقود ولا بدفع الدية بدليل الحديث النبوي الشريف القائل : "قاتل دون شراك نعلك" .

وما دام أن شريعته تأمره بالقتال دون شراك النعل لمن يحاول الإعتداء عليه ، فإن من بديهيات الأمور أن يكون قتال كقتاله دون نفسه وماله جائزاً شرعاً وعقلاً ... وحتى لو قتله المعتدون فإن حكمه يكون كحكم الشهيد بدليل الحديث الشريف القائل : "من قاتل دون ماله وقتل فهو شهيد" .

كل هذه الأدلة كافية أن تجعل ناجعاً لا يخاف من الحاكم حتى ولو وقع بيديه .

لا أعرف مخلوقاً يجبرنى سواك

أصبح لناجع من الشهرة الممزوجة بالهيبة والوقار قدراً جعله محطاً للأنظار وأمسى صمته الذي كان يعتبره بالأمس عجزاً ، يعتبر اليوم حكمة ، وحياؤه الذي كان يظن أنه ضعف ، أصبح بعين مواطنيه قوة ووقاراً ، وبات الذي يخاف من أية قوة كانت ولا يعرف من يجيره ويحميه يذهب إلى ناجع فيجده حصناً منيعاً لا تخفره له ذمة ولا يهتك له جوار .

وعلى هذا الإعتبار ليس الأمر غريباً أن يأتى إلى بطل قصتنا شخص مطالب من قبل أحد أمراء تلك المقاطعة وهو المدعو راشد بن غنيم الذي ولاه حاكم المنطقة على قرية (بيش) سالفة الذكر . لا ليس الأمر غريباً أن يستجير هذا الشخص ب(ناجع) ويؤكد بأنه لا يعرف مخلوقاً يجيره ويحميه سواه ، ولم يكن ناجع مسروراً بمجيء هذا الرجل الذي سوف يجر له مصيبة بعيدة المدى ، لأنه لم يكن مستجيراً به عن أمير القرية راشد بن غنيم الذي لا يعدو أن يكون أميراً عادياً وضعه والي جيزان في قرية متواضعة ، ولكنه مستجير عن سلطة الحكومة التي من وراء الوالي وحاكم المنطقة ، ولم يسع ناجع إلا أن يسلم أمره لله ويتخذ أقصى ما لديه من التدابير الوقائية لحماية جاره وأهم تلك التدابير وصيته لجاره بأن يبتعد ما إستطاع عن الأماكن التي يمكن أن يراه بها شرطة حاكم القرية لئلا يقع بأيديهم لعلمه أنه ما من أحد من الشرطة يجرؤ أن يقدم على مستجيره ما دام أنه قريب منه ، لأن الشرطة أنفسهم من أهل البلاد ويعرفون ناجعاً جيداً ..

ولكن مستجيره وجه الشؤم لم يأخذ بوصيته ، فراح يدول حول الحمى حتى وقع بيد شرطة حاكم القرية إبن غنيم الي أشبعه ضرباً بالعصي بدون أن تأخذه به رأفة ..

أردت عمراً وأراد الله خارجة

يعتقد ناجع أن مستجيره لم يرتكب خطأ بحق أمير القرية يستحق هذا العقاب القاسي ويخيل إليه أن عقاب الأمير له من أجل أنه مستجير به ، وهذا يعني تحدياً من أمير القرية لكرامته ، وأمعاناً بخفره لذمته ، بالإضافة إلى ذلك أن قضية الضرب عند أهل اليمن تعتبر مهانة وتحقيراً من الضارب بحق المضروب وحسب تقاليدهم أن الرجل يقتل أهون وأفضل له من أن يضرب لأن الضرب عندهم لا يكون إلا للحمار .. أما الرجل فلا يضرب .. ولو خير المضروب بأن يضرب بالعصا أو بالسيف لفضل الأخير ..

كل هذه الأمور حفزت ناجعاً على أن ينتقم من إبن غنيم الذي تعمد إهانته بضربه لمجيره ، وإنما كيف الطريقة التي يتمكن بها أن ينتقم منه ، فإبن غنيم في وسط القرية وهو أميرها وقصره منيع فيتحتم على ناجع والحالة هذه أن يعرف أولاً أسواق القرية .. والطريق الذي يؤدى إلى القصر ، ثم ينبغي له بعدما يعرف القصر أن يعرف المكان الذي ينام فيه إبن غنيم في وسط القصر ، وإذا تأكد من ذلك عليه أن يقدم على تنفيذ خطته ..

وهكذا راح في إحدى الليالي يتعرف أسواق القرية ثم راح في الليلة الثانية يتعرف الطريق الذي يؤدي إلى القصر .. ثم إلى معرفة المكان الذي ينام فيه أمير القرية وبطبيعة الحال كان يروح في لياليه هذه الثلاث مختبئاً وبعدما تأكد من معرفة هذه الأشياء وعرف كيف يحسن الدخول والخروج ، عند ذلك توشح ذخيرته وتقلد بندقيته واستبطن خنجره وراح إلى القرية في آخر الليل ، حتى وجد الأمير (كما يظن) نائماً في فراشه المعتاد الذي سبق أن سبر غوره فيه ، فوئب عليه وقطعه إرباً في خنجره بدون أن يحتاج إلى إطلاق الرصاصة التي تحدث دوياً قد يصحو من أثر صوتها النائمون في القصر ثم عاد إلى جبله هادئ البال بعدما قضى على حياة الرجل الذي تعمد إهانة مستجيره لا لشيء وإنما من أجل أن يخفر ذمته ليس إلا ، ومن خفر ذمته بمستجيره ، فليس له إلا هذا العقاب ..

ولم يخطر ببال ناجع قطعياً أن الأمير إبن غنيم لا زال حياً سليم القوى وأنه بتصرفه هذا الخاطيء قتل نفساً بريئة من أهل القرية الذين يبيتون في دار إبن غنيم ، هذه الخطيئة لم يعرفها إلا فيما بعد ، حيث ثبت لديه مؤخراً بأنه حصل معه كما حصل مع الخارجي الذي تعهد بأن يقتل عمرو بن العاص عندما يؤم الجماعة في صلاة الفجر كالمعتاد . إلا أن عمراً في تلك الليلة بالذات تأخر عن صلاة الفجر ووكل عنه بالنيابة (خارجة) فقضى الخارجي على نائبه ظاناً أنه عمرو ، وهذا ما حصل مع ناجع طبق الأصل للذي حصل مع الخارجي .

من يصطاد الأسد في مغارته

بلغ الخبر حاكم المنطقة السديري فتكدر جداً لهذا النبأ ، وإذا كان الحاكم ترك ناجعاً في قتله للخمسة الفتيان ولم يحاكمه فإن السبب لذلك يعود إلى أن الملك عبد العزيز لم يأمر بعقابه ، أما الآن فأنه من المستحيل أن يتركه بعدما قام بعمليته هذه ، لأن بقتله لهذا الرجل في وسط دار الإمارة تحدياً للحكم وإستهتاراً بسلطة الحكومة بصورة علانية ، وإذا لم يؤدب الحاكم هذا المعتدي فإنه سوف يتجاسر الناس على الفتك بعضهم ببعض فكل من له ثأر عند أي واحد من أهل البلاد فإنه سوف يذهب ويأخذ ثأره بيده ، بدون أن يرفع الأمر للحكومة وعندئذ سوف لا يكون للحكومة أدنى هيبة وسوف تعم الفوضى جميع البلاد . وليس أمام الحاكم إلا أن يلقي القبض على ناجع ليعاقبه بضرب عنقه ، ولكن المشكلة تأتي عند إختيار الجنود الذين يتولون تنفيذ هذه المهمة ، ولا سيما وقد بلغ الخبر ناجعاً أن الحاكم إهتم في أمره وأنه سوف يأمر رجالاً من جنوده مهمتهم إستلامه وتسليمه إليه ، لم يهتم ناجع كثيراً لهذا الإنذار ولم يغير شيئاً من سلوكه ، فبندقيته التى أردى بها الخمسة لا يضعها من يده بل ظلت على ماهي عليه وخنجره الذي مزق به أشلاء المعتدي على مستجيره كما يتوهم ظلت مصقولة كما كانت ، فإن يكن بدل شيئاً فإنما هذا التبديل يكون في ناحيتين :

الأولى : هي موضع منامه ، فقد غيره عن المعتاد فظل ينام في مكان مجهول ، الثانية – قضية الذخيرة لم يتركها على ما هي عليه وإنما باع عدداً من غنمه وإشترى بثمنها زيادة من الرصاص ، كما إزدادت عنايته ببندقيته التى ظل يتولى تنظيفها بصورة دائمة .. وعند ذلك أوصى ناجع جنود الحاكم بصورة غير مباشرة قائلاً لهم : من أراد أن تنكله أمه فليأت .

لم يكن الحاكم جاهلاً حصانة الجبال التى يختبيء فى قلبها ولا جاهلاً بإقدام وشجاعة الفتى .. ولذلك لم يفكر أن يعرض جنوده لمغامرة قد تكون فاشلة وقد تكون ناجحة فإن كانت الأولى فهي نقص على الحكم فيما إذا تظاهر بإرسال جنود من عنده ومن ثم عجز الجنود عن إستلامه أو قتله .

وإن كانت الثانية وظفر جنوده بقتله أو إستلامه فإن ذلك لا يتحقق إلا بعد أن يخسر من رجاله عدداً كثيراً ، مع العلم بأن تسلمه حياً يكاد أن يكون مستحيلاً والحاكم في حالة كهذه يود أن يتسلمه حياً لكي ينكل به .. فيكون قتله له عبرة لن يفكر أن يقوم بعملية إعتداء وتحد لسلطة الحكومة كعمليته هذه ، أما قتله في جباله بطريقة إغتيال أو ما شابه ذلك فإن هذا ليس بذى أهمية بالنسبة للحاكم الذي يفضل أن يأسره قوياً سليماً .

تضحية خارقة ومروءة نادرة

لم يجد الحاكم بداًَ من أن يجمع أهل الحل والعقد من رجاله ومن أهل المدينة ليأخذ رأيهم في موضوع هذا المعتدي المتحدي لسلطة الحكومة وحينما إجتمع القوم شرح لهم الحاكم موضوع جدول الأعمال الذي طلبوا من أجل دراسته فتداولوا الرأي وإفترضوا شتى الإحتمالات وفكروا وقدروا فوجدوا كل الإحتمالات والإفتراضات التي من شأنها أن يؤسر الفتى وهو سليم القوى ، وجدوها إحتمالات عقيمة وإفتراضات مستحيلة ، إذاً كيف الوصول إلى الغاية ؟ .. أيترك متحدي الحكومة ، فهذا شيء ليس من الحكمة أن لا يؤدب معتد وقاتل كهذا .. وبعدما إستعصى عليهم الأمر أو كاد خطرت فكرة لأحد الرجال أو للحاكم ذاته .. تؤدي إلى أسر ناجع ومضمون هذه الفكرة يتلخص بإعتقال الرجل الذي إستجار به ، والذي كان السبب الرئيسي لإقدام ناجع على القتل ، وقد قدر صاحب هذه الفكرة أنه في حالة إعتقال مستجيره فإنه سوف يحاول أن يفعل المستحيل لإختطاف مستجيره من السجن وسوف يكون التحدي له سافراً ، كما أنه سوف يتبدل الموقف بدلاً من أن تكون المغامرة من جنود الحاكم عندئذ سوف تكون المغامرة منه هو ، وعوضاً عن أن يكون الهجوم من الشرطة وهو مختبئ ، يكون الهجوم منه ورجال الشرطة مختبئون لإقتناصه ، كانت الفكرة سليمة جداً ، وعلى الفور بعث الحاكم جنوداً ليأتوه بمستجيره المشؤوم ، ولم يكن إعتقال المستجير شيئاً فيه أدنى صعوبة لأن ناجعاً لم يخطر بباله أن الحاكم سيتركه ويذهب لمستجيره ليتخذه طعماً لإصطياده ، لا لم يفكر ناجع بهذه الفكرة قطيعأً ، ومما لا شك فيه بأنه لو خطرت هذه الفكرة فى باله لما تخلى عن حمايته ، وهكذا تم إعتقال مستجيره ليلاً وهو مختبئ في رؤوس الجبال لا يعلم شيئاً عما تم لجاره حتى إذا عاد إلى أهله أخبره سكان الحي بما تم بأمر جاره ، وكانت التعاليم من الحاكم للشرطة تقضي بأن يضربوا جار ناجع بعد إعتقاله أمام سكان الحي لكي يثيروا حماسة أكثر حتى يتمكنوا من إتقان الطعم ونصب الفخ لإصطياده بكل سهولة ، وقد نقل السكان لناجع بكل أمانة المعاملة القاسية التي عاملت الشرطة بها جاره من ضربه بأعقاب البنادق إلى ركله بالأقدام إلى صفعه بالحذاء من الأمور التى لم يقصد بها المستجير طبعاً ، وإنما يراد منه إستفزاز ناجع لعله يغامر لإخراج مستجيره من السجن ومن ثم يقع بيد الكمين من الشرطة الذي نصبه الحاكم له .

وكان الأمر كما توقعه الحاكم فقد تسلل الفتى في الليلة الثانية إلى مقر الحاكم محاولاً أن يهجم على الشرطة ويخرج مستجيره من دار الحكومة بالقوة ويقتل من يقف بوجهه من الشرطة ، ولكن محاولته باءت بالفشل أمام رجال الشرطة الذين بذلوا أقصى ما لديهم ليعتقلوه ، أو ليحولوا بينه وبين إختطافه لسجين ، وقد تمكنوا من الثانية ولكنهم ما إستطاعوا أن يلقوا عليه القبض .

وقد إستمرت محاولته وهجومه ليالي عديدة دون أن يفلح كلا الجانبين بمهمته فلا ناجع تمكن من أن يختطف مستجيره من سجن الحكومة الذي كان محاطاً بالشرطة ومن وراء الشرطة أبواب وأقفال إلخ .... ولا جنود الحاكم إستطاعوا أن يعتقلوا ناجعاً الذي ظل يوالي هجماته الليلية بمزيد من اليقظة ، فهو كما يقال في المثل الدارج : (يثب وثوب النمر ويروغ روغان الثعلب)..

طالت المحاورة بدون جدوى ، وسئم الشرطة من سهر الليالي المتتالية بدون أن يسام ناجع أو يبدو منه كلل أو ملل ، ذلك الفتى ذو البأس الشديد والعزيمة الماضية ..

وبعدما طالت المدة بلا جدوى ، عندئذ اهتبل الحاكم حيلة أخرى ذلك أنه أشاع أنه سوف يقتل السجين إقتصاصاً منه عن الرجل الذي قتله ناجع ، والحاكم عندما أشاع ذلك قاصداً أن يظفر بأحد الأمرين لا محالة ، وهما : أما أن يغامر ناجع مغامرة إنتحارية لا مغامراته السابقة التى فيها كر وفر ، أو أن تكون الأخرى وهي أنه متى ما تعذر على ناجع إختطاف مستجيره وثبت لديه بأنه سوف يقتل بأسبابه عند ذلك يأتى ويستسلم عنطيب نفس ومحض إرادة ، مفتدياً مستجيره بنفسه ...

وثقة الحاكم بوقوع أحدى الحالتين جعلته يؤكد لرجاله بأن يشيعوا ويذيعوا أن مستجير ناجع سوف يقتل في يوم كدذا في بلدة كذا ، وأتبع الحاكم هذه الإشاعة عملية أخرى ، وهي أنه أمر بنقل السجين من المكان الذي كان فيه إلى البلدة التى أشاع بأنه سوف يقتل فيها ..

وصلت هذه الإشاعات إلى ناجع ، وفكر . وقدر كيف يفعل ؟ .. أيترك مستجيره يقتل بسبب عمل هو قام به ؟ فهذا شيء لا يطيق إحتماله شجاع أبي كناجع ؟ أيغامر مغامرة إنتحارية لينقذ رقبة مستجيره من السجن ، فهذه العملية أيضاً قد لا يحصد من ورائها إلا الإفلاس من ظفره بإنقاذ حياة صاحبه ووقوعه في فخ الحاكم المنصوب له ، أو أنه يسلم نفسه ليفتدي جاره ..

كانت الإحتمالات السالفة الذكر كلها يرى أنها سلبية وعقيمة ما عدا الأخيرة فإنها هي الحل العملي ، ولكن هذا الحل ليس بسهل المنال ، ولا هو رخيص الثمن , بل ثمنه غال وغال .. وأي ثمن أغلى من حياة المرء تلك التي كل ما يناله الانسان ويكسبه من مال وبنين وجاه , كل هذه المعاني الحية يدفعها المرء فداء لحياته عندما يستوجب الأمر لأن الابن يمكن أن يأتي عوضاً عنه ابن ربما يكون أصلح منه , والمال بالامكان ان يستعيض الانسان عنه بمال أكثر من سابقه وكذلك الجاه أو السلطة…

كل هذه المظاهر بالامكان أن يأتي مثلها أو خير منها , ولكن الحياة في هذه الدنيا لا يمكن أن تبدل بحياة ثانية , وبالتالي قرر ناجع القرار الحاسم الصادق انه عندما يتعذر عليه اختطاف مستجيره , فإنه سوف يسلم نفسه للسلطة لتضرب عنقه فداء لمستجيره , كانت السلطة قد اتخذت بعد ذلك اجراءات حاسمة اكثر من ذي قبل , كما أمرت بأن يؤخذ السجين من مكانه الى المكان الذي اشيع انه سوف يقتل فيه , وكانت هذه الاخبار تصل ناجعاً وعندما قررت الحكومة نقل السجين الى المكان الآخر , كان ناجع يعلم كما أشرنا آنفاً أن السجين نقل من مكانه , ولكنه يجهل أن الغاية الاساسية من نقله هي التمويه عليه , لكي يفعل المستحيل ويسلم نفسه , هذه الناحية لم يدركها ناجع لأنه سر كامن في نفس احدكم لا يعلمه أحد , وكل ما يعتقده ناجع بأن مستجيره سيؤخذ من سجنه لينفذ فيه الاعدام في بلدة غير بلدته التي سجن بها , فراح يتبع أثر الشرطة الذين يتولون نقله وحراسته , فإذا نزلوا في مكان ما , اختبأ وتوارى محاولاً أن يهجم عليهم لعله يوفق في اختطاف السجين , ولكن الجنود كانوا كثيري العدد وبالاضافة الى كثرتهم كانوا واثقين بأن صاحبهم سوف يحاول ما استطاع الهجوم عليهم , ولذلك ليس بالأمر أية غرابة فيما إذا اتخذ الجنود شتى الاحتياطات اللازمة التي من شأنها أن تحول دون اختطاف السجين من بين أيديهم , وفي الحين الذي شعر ناجع بعجزه عن اختطاف مستجيره , وفي تلك اللحظة التي كان فيها الجنود يسيرون بالسجين مطوقاً من جميع الجهات , ساعتئذ قرب ناجع من الجنود فناداهم قائلاً :

- ها أنذا فلان .. قد عقدت العزم بأن أسلم نفسي اليكم على أساس أن تطلقوا سراح مستجيري ..

واعاهدكم الله على انني سأفي بما قلته لكم من تسليمي لنفسي بيدكم راضياً , علماً مني بأن مصيري ضرب عنقي لا محالة ..

فأجابه كبير الجنود الذي لا يخلو من أن يكون لديه تعليمات من الحاكم فيما اذا اتخذ ناجع موقفاً كهذا فقال له :

- ان كنت صادقاَ فيما تقول فما عليك الا ان ترمي بندقيتك وجميع سلاحك من يدك وتسلم نفسك مجرداً من أي سلاح ..

فأجاب قائلاً :

- هذه بندقيتي[2] فمن شاء منكم ان يستلمها فليتفضل . فاقبل اليه احد الجنود واستلم منه بندقيته وعتاده وخنجره كما أمر ان يطلق سراح السجين المرهون ..

السجين يموت فجأة !!!

ذهب السجان ليبشر السجين الاول بالفرج ولدخل مكانه السجين الجديد معتقداً انها البشرى التي ما بعدها بشرى , بينما هي السهم الذي مضى الى قلبه واوقفه عن الحركة .. ذلك انه عندما تأكد بالعفو عنه واطلاق سراحه وان مجيره جاء في محله فاديا نفسه عنه حتى شهق شهقة فارق فيها الحياة . فدنا منه السجان ليتأكد من أمره فوجد تلك الاخبار التي خيل اليه انها بشرى سارة يزفها الى فؤاد السجين , كانت حساماً صارماً مزق قلبه .

أصيب السجان بذهول , وقبل ان يخبر مرؤوسه بما حل بالسجين الاول , راح مبدئياً يدخل السجين الاخير ويشد وثاقه وهو يرتعد خوفا , فكأنه كان يكتف أسداً لا يدري متى ينقض عليه فيقده بنابه , مع العلم أن أسده هذا لم يسلم نفسه إلا بعدما قلع أنيابه بيده وقلَّم اظافره بنفسه ..

أدخل السجان سجينه الاخير بدون ان يخبره بما حل بصاحبه , وأقبل ناجع الى صديقه ظاناً بأنه نائم فتركه رحمة به , لا يريد أن يفاجئه بوجوده واثقاً , بأن ذلك يزعج مستجيره , ولم يخطر بباله ان الازعاج سيبلغ به الى مصيره النهائي . لا , لم  يخطر ببال ناجع ان مستجيره سبقه الى الموت . فكل ما يظنه ان مستجيره في سبات عميق , فظل ينتظر السجان ليتولى ايقاظه , لكي يخرج من السجن كوفاء بالعهد المتبادل بينه وبين كبير الجند لأنه لم يعد في بقاء مستجيره أية فائدة بعدما سلم نفسه للسلطة ! ولم يطل انتظاره للسجان , فقد جاء السجان ونفر معه لينقلوا جثمان الميت , فكانت مفاجأة لناجع عندما أخبره السجان بالأمر الواقع , وكم كان حرايصاً على ان يذهب الى عالم الاموات قبل مستجيره , ولكن مستجيره هو الآخر يبدو انه رأى ان حياته بعد مجيره الوفي ستكون عبئاً ثقيلاً عليه , فلم يكن لديه بد من أن يعمل بوصية شاعر المهجر المرحوم ايليا ابي ماضي :

واذا نـبـا العيـش الكريـم بــماجـد                 حرّ رأى الموت الكـريـم صوابا

الامر يحال الى الحاكم الشرعي

أخرج السجان جثمان مستجيره بعدما طبعه بقبلة صامتة , ان عبرت عن شيء فإنما تعبر عما يحدّث ناجع به عن نفسه من أمنيته التي كانت تختلج في كيانه , وهي انه كان يتمنى من صميم قلبه أن يقبل صاحبه حياً لا ميتاً وكان عزاؤه الوحيد , أنه قام بواجبه وجعل حياته وفاء لحياة مستجيره , بلغ الحاكم بما حدث من استسلام ناجع بمحض إرادته , ومن موت مستجيره بالسكتة القلبية . وعلى الفور رفع الحاكم القضية الى المرحوم الملك عبد العزيز بكل تفاصيلها , فكان الجواب من الراحل يشير الى أمره بإعادة معاملة ناجع الأخيرة الى الحاكم الشرعي , وان لا تثار قضيته الأولى التي قتل فيها خمسة الأنفس , بحكم أن أولئك معتدون عليه , وان قتلهم لا يعدو ان يكون دفاعاً عن النفس , ومعنى ذلك ان الملك أمر واليه السديري ان يتجاوز عن حقوق الحاكم في اعتداء ناجع على قصر الأمير ابن غنيم الذي يمثل سلطة الحكومة في القرية , معتبراً التقاليد العربية والعرف السائد في قضية حماية المستجير في عالم الشيم والعادات العربية , ومقدراً أيضا الوفاء الذي قام به ناجع بتسليمه نفسه عن رضاء وسماحة نفس فأصبحت القضية الآن بيد القاضي الشرعي , وأصبح ناجع مطالباً من قبل ورثة الشخص الذي قتله في قصر أمير القرية اعتقاداً منه أنه الأمير ..والقول الفاصل الآن بيد القاضي , وما تحكم به الشريعة الإسلامية في ظرف كهذا فهو الحكم الذي لا يقبل الاستئناف , ولا المحاباة .

القول الفصل

كانت القضية بالنسبة للحكم الشرعي واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار ففي حالة كهذه يقول فيها القرآن الشريف : (أن النفس بالنفس ... الآية) فلم يكن هناك حل إلا القود , لأن قتله الشخص , وان كانت خطأ من حيث الشكل , ولكنه عمد من حيث الأصل والتنفيذ وكان للمقتول ابن واحد فقط تجاوز سن الرشد , كما ان له أخاً شقيقاً , فالقضية بيد الابن بالدرجة الاولى , والأخ ليس إلا مستشاراً للابن يأخذ برأيه في حالة صدور الحكم .. كان سكان تلك المنطقة ينتظرون متى يأتي اليوم الذي يذهب به ناجع وابن القتيل الى القاضي , لينظروا ماذا تكون نتيجة الحكم الذي يتخذه القاضي بهذا الشأن , وان كان الحكم كما أشرنا آنفاً واضحاً ولا يحتاج الى أخذ ورد , ولكنه قد لا يكون وضوحه إلا عند القليل من القراء الذين يفهمون الاحكام الشرعية , أما السواد الأعظم من الدهماء , فانهم لا يعرفون شيئ عن ذلك . ولم تكن المدة بين استسلام ناجع وبين البت في الحكم الشرعي طويلة اكثر من الفترة الزمانية التي يتبادل فيها (السديري) والملك الرسائل بشأن توضيح الموضوع من الاول وتلقي الاوامر من الثاني .. كما أن بت الحكم الشرعي بصورة نهائية من قبل القاضي ليس كالمحاكم المدنية التي تدور فيها معاملة كهذه مدة طويلة من الزمان , بل كل ما في الامر أن عملية كهذه لم ينكر فاعلها ولا يحتاج فاعلها الى شهود , ولا يتجاوز البت فيها اكثر من ساعة واحدة فقط . وهكذا عندما تلقى حاكم المنطقة السديري الامر من الملك باحالة القضية الى القاضي , هب من فوره وجاء بالمدعي والمدعي عليه , بين يدي القاضي وكانت المسألة بالنسبة للقاضي معروفة وكل ما في الامر أنه أصغى أولاً الى ما قاله المدعي , ثم بعد ذلك وجه اسئلة على المدعي عليه , وكان جواب المتهم كله ادانة له فحكم عليه بالقود , والحكم هنا كما ذكرت آنفاً لا مجال فيه للاستئناف ولا للنقاش . لقد خرجت القضية الآن من يد السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية واصبحت بيد أولياء القتيل ..

كأنه أسد يريد ان يثبت على فريسته لا اسيراً مكبلاً بالقيود

وكان أمام هؤلاء الأولياء ثلاثة حلول : أما ان يعفوا ويتسامحوا عن قاتل رجلهم , وأما أن يقبلوا الدية , وأما أن يقتلوا القاتل . والذي له الحق في اختيار أحد هذه المعاني الثلاثة والبت النهائي بيد ابن القتيل . ويبدو ان الأبن كما يتضح من سياق القصة لم يكن حريصاً كثيراً على القتل , بل ولا على أخذ الدية , ولكن عمه أي شقيق المقتول , كان هو الحاقد الذي يرى أن قتل ناجع هو منتهى أمنيته , وهو المحرض الاول للابن على القتل . وكما أراد ابن القتيل أن يسلك سبيل العفو والتسامح أصر عليه عمه وطلب منه بإلحاح أن أن لا تأخذه رحمة ولا رأفة بضرب عنق القاتل ..

كان المواطنون في تلك المنطقة يتساءلون عما يتخذه أولياء المقتول من المواقف الثلاثة ؟ .. وكانت الإشاعات متضاربة بين اتخاذ الإجراء الأول والإجراء الثاني . وكانت قضية قبول الدية ليست موضع بحث قطعياً على أساس إنها ليست محترمة عند العرب . وبينما كانت الإشاعات متضاربة رجحت الأخيرة بين صفوف المواطنين , الذين تتمنى أكثريتهم الساحقة أن يتخذ أولياء القتيل موقف العفو وإلا قبول الدية . وكلهم مستعدون للاشتراك في دفع الدية حسب مقدرة كل فرد منهم واحتماله . والأمر الآن بيد أولياء القتيل ..

كان الحاكم محمد الأحمد السديري كما فهمت منه شخصياً يود من صميم قلبه أن يتجاوز أولياء القتيل عن المتهم بأية وسيلة كانت , ولكن جميع الأماني والوسائل والوسائط – كل هذه المعاني تفتت على صخرة ارادة العم الحقود , الذي لم يقبل أي حل سوى القتل , ولا غير القتل . كان الحاكم إذا شاء أن ينفذ الإعدام بالمتهم يعين الزمان والمكان , وذلك قبل التنفيذ , وكان غالباً ما يكون بعد صلاة الجمعة , وفي قلب مدينة جازان لكي يحضر عدد اكبر من المواطنين فيكون القصاص بحالة كهذه رادعاً لمن يفكر بالقيام بعملية القتل , وكان أولياء القتيل قد أصروا على قتل ناجع وخاصة عم  الفتى الذي يعتبر من العائلية كبير الأسرة , وما على الحاكم إلا أن ينفذ ما أمر به القاضي الشرعي راضياً كان أم كارهاً , ولذلك أعلن بأنه في يوم الجمعة سوف ينفذ حكم الإعدام بالمتهم ناجع الصهليلي . لم يكن الخبر ساراً للأغلبية الساحقة من أهل المقاطعة كما أشرت الى ذلك بالسابق , ولكن هذا لا يمنع من أن يحضر جميع أهل المدينة والقرى لينظروا ميتة الأبطال , على اعتبار أن الشجعان البواسل , كما أن في حياتهم عبرة كذلك في موتهم عبرة . ولذلك توافد الى مدينة جازان في ذلك اليوم جميع السكان من رجال واطفال ونساء المقاطعة .. وما أن حان وقت الصلاة حتى كانت مدينة جازان غاصة بأهل القرى الذين توافدوا عليها من كل فج عميق , وعندما انتهى السديري من صلاة الجمعة أمر رجال الشرطة بأن يأتوا بالمتهم من سجنه ليسلم الى أولياء القتيل , وكان الناس منهم من يعرف ناجعاً ومنهم من يسمع به ولم يعرف شخصه . وفي خضم هذا الحشد الكبير جاءت الشرطة بناجع يسير بخطى وئيدة ثابتة ويمشي مشية المستهين بالحياة الساخر بالموت , محاولاً أن يتحدى أولياء القتيل , وكأنه وهو بحالته هذه يناجي نفسه ببيت أبي الطيب المتنبي :

وإذا لـم يكـن مـن المـوت بُــدٌ                  فمـن العجـز أن تـمـوت جبـاناً

وعندما توسط الحفل ووصل الى المكان الذي ستضرب فيه عنقه عند ذلك ثنى إحدى رجليه ونصب رجله الأخرى مستنداً على ركبة رجله في الأولى وعلى سطح قدمه في الثانية بصورة بين الجلوس والوقوف . وفي هذه الحالة مد عنقه للسيّاف منصباً لا ترف له عين , ولم يبد على محياه أية علامة من علامات الجزع .. فكأنه أسد يريد أن يثبت على فريسته , لا أسيراً مكبلاً بالقيود وليس بينه وبين الموت إلا إيماءة السيف على عنقه , وفي جلسته هذه طلب كاتباً ليملي عليه ما في ذمته للناس كما طلب المرآة والمقص , ترى لماذا طلبهما ؟ .. أمن أجل أن يتجمل ليموت وهو جميل باسم الثقر .. وفي هذه اللحظة كان ابن المقتول حاملاً سيفه , ولا يدري هل إن تنفيذ القتل سيوكل اليه , أو أن الحاكم سوف يتولى التنفيذ , ولكن الحاكم المحلي محمد السديري لم يدع ابن القتيل في حيرة من أمره بل استدعاه وقال :

- هذا ناجع الصهليلي قاتل والدك وقد حكم لك القاضي بالقصاص منه ولك الخيار في تنفيذ القصاص أو أخذ الدية , وان عفوت عن هذه وتلك فهذه مكرمة وإحسان منك ..

فأجاب الفتى : إنني أود أن تأمر الجلاد بقتله .

ويؤكد لي الأمير محمد السديري الذي كان الحاكم لتلك نيابة عن الملك فيقول :

عندما سمعت هذه الكلمة من الفتى وجدتها فرصة مناسبة للأخذ والرد مع الشاب ، فبذلت ما إستطعت من الحديث الذي يجعل إبن القتيل يقبل الدية أويعفو عن القاتل ، ثم قلت للفتى :

- نحن لا شأن لنا بقتله قطعياً فالأمر عائد إليك ..

ظل الفتى متردداً بين الإستجابة إلى تحريض عمه له على القتل وبين الإستجابة إلى نداء ضميره الإنساني . وبينما الجمع الغفير من المواطنين المتفرجين ينظر بفارغ الصبر إلى الطريقة التى ينجو بها ناجع ، من القتل ، خاصة بعد هذا الكلام الذي جرى بين الفتى والسديري في تلك اللحظة التي أصبحت حياة الصهليلي فيها على كف عفريت ، أقبل شقيق المقتول وعم الفتى وصاح بابن أخيه قائلاً :

- أقتل قاتل أبيك ولا تأخذك ولا تأخذك به رحمة ولا رأفة ، وإياك أن تضرب عنقه ضربة جبان تخجلنا بها بين الناس أمام هذا الحفل ، وإنما عليك أن تشد حيلك وتجمع قواك وتضرب عنقه ضربة حاسمة تجعل رأسه يتدحرج فتكون آنئذا أخذت تارك وقضيت على حياته كما قضى على حياة والدك ..

ما ألذ الحياة بعد اليأس منها !!

كانت هذه الكلمات المليئة بالتحريض التي تحدث بها العم الحاقد مخيبة لآمال جميع المتفائلين بما فيهم السديري . وكان للشاب بعد تحريض عمه له أمام ذلك الحشد أن لا يتردد عن المضي في ضرب عنق قاتل أبيه . وكان على ناجع أن يتهيأ لضرب عنقه بشكل فيه التحدي لعم الفتى أكثر من ذي قبل . وهذا ما حصل . فقد مد ناجع عنقه وشخص بعينيه بحد نحو عم الفتى وقال :

أنني مكبل اليدين ، وأن قتلي بهذه الصورة ليس فيه ما تعتز فيه وتفخر به أيها الجبان الحاقد . وأنني عندما قتلت أخاك كنت أظنه حاكم القرية المحلي إبن غنيم . وكنت متحدياً بذلك سلطة الحكومة أما أخوك فهو أضعف من أن أتعمد قتله . وبين تحريض عم الفتى الذي لا يدع مجالاً للشك بإثارة حماس الفتى وإلزامه بالإقدام على ضرب عنق القاتل ، وبين حسرة المواطنين ويأسهم من حياة ناجع بعد تحريض العم لإبن أخيه ، وبين يقين ناجع بمصيره المحتوم ، وبين ثقة العم بأنه إستطاع أن يؤثر على إبن أخيه في اللحظة الأخيرة ، وبين خيبة أمل السديري في تأثيره على إبن القتيل – بين هذه المعاني التي تدل كلها دلالة واضحة لا شك فيها على أن الفتى سوف يمضي جازماً إلى ضرب عنق قاتل أبيه .. في تلك الساعة التي أصبح الموت من ناجع أقرب من حبل الوريد ، أقبل الفتى نحو القاتل شاهراً سيفه ، حتى إذا دنا منه وضع سيفه في غمده ثم ربت على كتف قاتل أبيه وقال :

- إذهب فقد عفوت عن قتلك من أجل الأمور الآتية :

أولاً : أنك لم تنو قتل والدي بالذات وإنما أردت غيره فكان قتلك له خطأ بلا شك .

ثانياً : لا أرى في قتلي لك وأنت مكبل بالأصفاد أي معنى من معاني الرجولة والشجاعة ..

ثالثاً : لم يكن مجيئك إلى الحاكم بواسطة قوة أخضعتك وإنما جئت بملء إرادتك وبوفاء منك راضياً لنفسك الموت من أجل وفائك لمجيرك . وتقديراً مني لوفائك فإنني قد عفوت عنك عفواً مطلقاً لا أقبل عنه دية في الحاضر ولا في المستقبل ..  وقد أنهى لي الرواية محمد السديري شاهد العيان ، والذي لا زال على قيد الحياة ، أن ناجعاً بعدما سمع هذه الكلمات من إبن المقتول وثب من جلسته الأولى وأنتصب واقفاً ثم قال : ما ألذ الحياة بعد اليأس منها . كانت خيبة أمل عم الفتى لا تقاس ، لقد عاد حاقداً على إبن أخيه ، ومحتقراً ومحقوداً عليه في مجتمعه ، بينما عاد إبن أخيه موضع التقدير والإجلال في نفوس كافة بني وطنه في تلك المنطقة .

يريد الحرية على الطوى

بعدما أنهى الأمير السديري رواية هذه القصة التي تكاد أن تكون خيالاً أو رؤية منام ، سألت الراوي بل إستغربت منه أن يترك مثل هذا الشهم الوفي يروح في رؤوس الجبال ، بدون أن يستميله ويغريه بشتى الوسائل كي يبقى عنده في أي عمل يسنده إليه ، أو حتى بدون عمل . فقلت لمحمد السديري :

- يجب أن يحترم مثل هذا الفتى ويقدر من أجل وفائه الذي لم يحدثنا التاريخ أن أحداً قام بمثله اللهم إلا النادر من القصص التي نقلت لنا في كتب الأدب العربي منذ قرون بعيدة المدى ، وفي عهد لا يستغرب فيه الوفاء . وقد عرفت أن السديري كان حريصاً جداً على أن يبقى ناجع عنده محترماً ومكرماً على أن يؤمن له جميع لوازم حياته ، ولكن جميع محاولاته باءت بالفشل وتفتتت على صخرة الحرية التي يريد أن يتمتع بها على رؤوس الجبال ، مفضلاً أن يبيت الطوى وهو حر طليق ، لا يحتاج إلى طلب الإذن إذا أراد أن يسافر ويذهب إلى مكان ما ، ولا يخضع لنظام يفرض عليه . اللهم إلا ما يفرضه عليه ضميره الحر ونفسه الأبية وخلقه الوفي ..  وبعد .. فإن من يقرأ هذه القصة فإنه ، كما أسلفت ، يخيل إليه أنها رؤية منام أو من نسج الخيال .  وخير ما فيها هو أن رواتها أحياء وبطلها لم يزل على قيد الحياة إلى وقت قريب . ولا أستطيع أن أحكم الحكم النهائي بأن بطل القصة في عالم الأحياء الآن بحكم أنني أكتب هذه الأسطر وأنا في (أنقرة) كممثل لحكومة وطني ، وبطلنا ناجع في اليمن ، بل في رؤوس جبال اليمن وبيني وبينه مسافة بعيدة فيما إذا شئت أن أتأكد من حياته . وكم كنت أتمنى أن يكون لي من وضعي ما يشفع لي لكي أعيش عيشة الحرية التي يعيشها ناجع . فلو كنت كذلك لذهبت إلى اليمن وإصطحبت آلة تصوير لآخذ صورة ناجع أضيفها إلى الصور الموجودة في هذه السفر . وهناك ملاحظة لابد لي من الإشارة إليها وفي ما ذكرته عن موت الرجل فى السجن بالسكتة القلبية ، وأعني به المستجير بناجع ، والذي هو طرف ثان في القصة . فقضية موته كنت رويتها عن محمد السديري . ولما كانت القضية أولها في عهد إمارة خالد السديري شقيق محمد وآخرها في عهد محمد أو هي العكس ، فقد سألت الأمير خالدا عن القضية ، وذلك بحضور أخيه محمد في مدينة الطائف عام 1382هـ 1962م . لقد كنت واثقاً من صحة رواية محمد وإنما أردت أن أزداد تأكيداً لكي لا أنقل للقراء إلا الحوادث الحقيقية الي لا مجال للشك في صحتها . وكانت إجابة خالد طبقاً للأصل الذي رويته عن شقيقه محمد ، إلا أن خالداً توقف عند قضية موت المستجير ، بينما أكدها محمد . وأعتقد أن في هذه القضية أكثر من معنى :

أولاً :  أنها كما ذكرت قريبة العهد ورواتها وشهودها أحياء .

ثانياً : وهو الأهم عندي أن القارئ بعدما ينتهي من قراءة هذه القصة القريبة ثم يعود بذاكرته إلى القصة الأولى في الجزء الأول من هذه الكتاب التي هي بعنوان (القصة العالمية) أي قصة (المهادي) تلك التي قلنا أن لها ما يقارب أو ينوف عن مئتي سنة – عند ذلك سوف يزداد يقيناً بأن تلك القصة وأمثالها من شيم العرب حقيقة لا شك فيها ولا ريب .


1. كلمة قبضائية تطلق على إسم الفتيان المفتولي الساعد الذي يخيفون ولا يخافون لكثرة مشاكلهم ، ومفردها قبضاي . وهى تركية الأصل .

2. انهى لي الراوي الامير خالد السديري الذي لا يزال على قيد الحياة والذي كان حاكماً لتلك المنطقة بأن ناجعا عندما أشار الى الجنود بقوله (هذه بندقيتي) كان ممسكا بندقيته من فمها لا من عقبها لكي يؤمن الجنود .

المصدر : كتاب شيم العرب – الجزء الأول والثانى - الطبعة الرابعة 1420هـ 2000م  مؤلفه : فهد المارك من ص 305 إلى 326

 

فسأروي لكم عن ابن عمي الذي لازمه في فترة من فترات اختبار الرجال وابن عمي هذا كان من أخوياه الملازمين أيام إشرافه على أمارة نجران وكان الجنود المصريون في اليمن الشقيق يعدون بالآلاف بداية الثمانينات الهجرية من القرن الفائت .. يقول ابن عمي الذي صار فيما بعد أميرا لمركز أو بلدة تابعة لنجران اسمها على ما أظن (حمرا نثيل) ..  كان الأمير خالد السديري في حرجة إلى الشمال من نجران المقر – والحرجة الشجر الملتف – ولعل هذا الذكر يذكر القارئ بسؤال عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه احد الوافدين إليه من هذيل عن معنى الحرج لورود ذلك في آية من القرآن الكريم والحرج جمع حرجه لا يوجد في لغة قريش .. فقال له الحرج الشجر الملتف – أقول يقول ابن عمنا وكان المكان إلا ما قل مكشوفا والأجواء آنذاك متكهربة وكان يفد إلينا أعداد من الناس فيها كذلك كان المكتب والضيافة والمقار المعدة للوفود في هذا المكان ..

وعلى حين غرة من الأمر فوجئنا بسرب من الطائرات المغيرة قد تكون اثنين أو أكثر تغير على هذا الموقع حيث أطلقت ارتالا من القنابل والأعيرة الرشاشة ثم بعد فترة وجيزة عادت الكرة فاكفهر المكان وكانت الأرض هشة لينة فثار الغبار واختلط الهواء المنبعث بالبارود فحدث إثر ذلك ضجة وتلمس للنجاة حيث هرب من هرب .. قال فأخذت حزامي وبندقيتي وخرجت من الخيمة وإذا بالأصوات تتعالى والأمير خالد السديري واقف في العراء هنا وهنا في اتجاه الطائرات وينتخي بأعلى صوته ( مجري الذلان أنا أخو محمد ) وين الرجال اليوم له ما بعده .. اثبتوا وين الرجال .. إياك نعبد وإياك نستعين .. قال وإذا به يلوي عمته – غترته – على البندقية فلما اجتمعنا عنده رمى ببندقيته وطلب غيرها فلما لمستها وجدتها كالمرجل من كثرة الرمي .. قال فكان موقفا مهيبا عزز منا ورفع من شأننا ثباتا ومصادمه . ولا شك أن هذا شأن الندرة من الرجال الذين لا يعوضون . معيض على البخيتان - أنظر الكلمة كامله فى ما قيل عنه (فى جائزته)